في زمن تتعدد فيه الأصوات وتختلط فيه الآراء، يبقى لصوت الحكمة والتحليل الموضوعي مكانته الراسخة، خصوصًا حين يصدر عن قامة وطنية جمعت بين الشرف العسكري والعلم الأكاديمي والعمل العام. عطوفة العميد الركن المتقاعد الدكتور أحمد كريم الهبارنة الدعجة هو أحد النماذج الأردنية المشرّفة التي نذرت نفسها لخدمة الوطن، سواء في الميدان العسكري أو في الساحة الفكرية أو من خلال تمثيله المجتمعي في مجلس اللامركزية عن منطقة طارق في العاصمة عمان.
لقد كان لي شرف اللقاء مع عطوفته هذا الجمعة، حيث دار بيننا حوارٌ عميق حول الأحداث الأخيرة التي شهدها الأردن خلال الأسبوعين الماضيين، فوجدت نفسي أمام عقلٍ تحليلي استراتيجي رزين، يُبنى على المشاهدة المباشرة، والمعرفة الواسعة، والتجربة الثرية التي اكتسبها من خلال مسيرة متميزة في صفوف القوات المسلحة الأردنية – الجيش العربي.
الدكتور أحمد كريم الدعجة ليس مجرد ضابط سابق في الجيش، بل هو رجل خدم في مواقع الشرف في غزة هاشم، وشارك في بعثات إنسانية وعسكرية تمثل ضمير الوطن، كما في مهمته في لبنان ضمن كوادر السفارة الأردنية. تلك التجارب شكلت لديه رؤية متكاملة حول الأمن والاستقرار والهوية الوطنية، لا كعناوين عامة، بل كأركان لا تستقيم الدولة دونها.
تحليلات الدكتور الدعجة للأحداث الجارية لم تكن سطحية أو مبنية على انفعالات، بل جاءت مستندة إلى مرجعية علمية وأمنية وفكرية، جعلت من حديثه مرجعًا في الفهم الصحيح للواقع الأردني، وتحدياته، وفرصه. أكّد في حديثه أن تعدد الرايات وتشرذم الولاءات لا يصنع أوطانًا، بل يصنع الفوضى والخراب. وهي رؤية وطنية صادقة تنبع من إدراكٍ عميقٍ بأن وحدة الصف الوطني هي الضامن الحقيقي لاستقرار الأردن واستمرارية نهوضه.
وفي هذا السياق، أشار الدكتور أحمد الدعجة خلال حديثه لي إلى أهمية احتفال الأردنيين بيوم العلم الذي صادف السادس عشر من نيسان، مؤكدًا أن هذا اليوم يعكس وحدة الأردنيين حول راية واحدة، جامعة، تمثل رمز السيادة والانتماء الوطني، وتُجسد قيم الوفاء والتكاتف خلف القيادة الهاشمية المظفرة. فالعلم الأردني ليس مجرد قطعة قماش تُرفع، بل هو راية التضحيات والمبادئ والثوابت التي لا تتجزأ.
العقيدة التي يحملها الدكتور أحمد الدعجة هي عقيدة الجندي الذي لم يخلع بزته من قلبه حتى بعد التقاعد، فهو يرى في الوطن كيانًا مقدسًا لا يُساوَم عليه، وفي القيادة الهاشمية ملاذًا أمينًا، وفي الجيش العربي نموذجًا للفداء والانتماء، وفي الوحدة الوطنية سورًا منيعًا لا بد من حمايته.
أما على الصعيد الأكاديمي، فقد استثمر عطوفته فترة ما بعد الخدمة العسكرية في التعمق بالعلم والمعرفة، حتى نال الدرجات العليا في مجالات دراسته، مما جعل من خبرته مرجعية علمية تُضاف إلى مكانته الأمنية والعسكرية. وهذا ما منحه تميزًا في تحليل القضايا الوطنية والإقليمية بمنهجية تستند إلى الواقع والمنطق والدراسة.
في زمن يتطلب الصراحة والعقلانية، يحتاج الوطن إلى رجال بحجم عطوفة الدكتور أحمد كريم الدعجة، ممن يرفعون راية الوطن أولاً، ويجعلون من تجاربهم وقودًا لنهضة فكرية وأمنية ومجتمعية تُسهم في الحفاظ على الأردن، الدولة والنظام والشعب.
كل التقدير والاحترام لهذا القائد المتقاعد الذي لم يغادر ميدان العمل العام، ولا يزال يمضي بخطى ثابتة بين الناس، ناصحًا ومحللًا وراصدًا ومحبًا لهذا الحمى الهاشمي العزيز.