كتب :- عبدالرحمن خلدون شديفات
في مثل هذا اليوم من عام 1999، تسلّم جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، سلطاته الدستورية، وبدأت معه مرحلة جديدة في تاريخ الدولة الأردنية، حملت في طيّاتها تحديات غير مسبوقة، وتحولات إقليمية متسارعة، لكنها حملت أيضًا رؤية قيادة ثابتة، ووضوح موقف، وحكمة لا تُخطئ بوصلتها: الأردن أولًا، والإنسان الأردني دائمًا في قلب القرار.
ستة وعشرون عامًا مرّت، تغيّر فيها العالم، لكن بقيت بوصلة الأردن ثابتة؛ بفضل قيادة ملكٍ لم يكن يومًا ملكًا بموقعه فقط، بل بفعله، وتواجده، وقربه من شعبه، وفهمه العميق لمتطلبات العصر، ومخاطر المرحلة، وآمال الأردنيين وتطلعاتهم.
قائد لا يعرف المسافات.. في الميدان قبل أن يُسأل
منذ اليوم الأول، رسم جلالة الملك عبدالله الثاني نهجًا خاصًا به، أقرب إلى العمل الميداني منه إلى الخطابات البروتوكولية. لم يكتفِ بالقرارات من خلف المكاتب، بل أصرّ أن يكون شاهدًا ومباشرًا في تفاصيل الحياة اليومية، يزور الثكنات العسكرية، والمستشفيات الحكومية، والمدارس النائية، ومنازل الشهداء.
رؤية جلالة الملك للأمن لم تكن عسكرية فقط، بل شاملة؛ أمنٌ اقتصادي، اجتماعي، فكري، وصحي، بحيث يصبح المواطن هو المحور لا مجرد متلقٍ للسياسات. ولهذا، لم يتردد الملك في الحديث المباشر والصريح مع الأردنيين، حتى في أقسى الظروف وأكثرها تعقيدًا.
حكمة سياسية في زمن الاضطراب الإقليمي
شهد عهد جلالته موجات متتالية من الأزمات: انتفاضات، ثورات، حروب حدود، ضغوط اقتصادية، وانهيارات إقليمية. لكن رغم ذلك، حافظ الأردن على توازنه، وبقي واحة استقرار في إقليمٍ لا يعرف الثبات.
لم يكن ذلك صدفة، بل كان نتيجة مباشرة لحكمة سياسية تُوازن بين الثوابت الوطنية والمصالح الدولية، وبين متطلبات الداخل وتشابكات الخارج. سياسة خارجية عمادها الاعتدال، ومواقف عربية وإسلامية صلبة، على رأسها الدفاع عن القضية الفلسطينية ووصاية الهاشميين على المقدسات في القدس.
الأردن الذي بناه عبدالله.. عدالة الفرص وكرامة الإنسان
رؤية جلالة الملك لم تكن فقط في حماية الحدود، بل في بناء الإنسان. دفع باتجاه إصلاحات دستورية، وهيكلة المؤسسات، ودعم الشباب وتمكين المرأة، وتعزيز المشاركة السياسية.
وفي الاقتصاد، رغم المعيقات والتحديات، ظل الملك هو صوت المطالب الدائم بالحماية الاجتماعية، والتوازن في السياسات المالية، والعمل من أجل بناء اقتصاد يُوفّر الحياة الكريمة للمواطن الأردني.
ستة وعشرون عامًا.. والبيعة تتجدد كل يوم
إنّ عيد الجلوس الملكي ليس مجرد مناسبة احتفالية، بل محطة تأمل وتقييم وتقدير. محطة نعيد فيها تذكير أنفسنا، أن هذا الوطن، بقي قويًا لأن أول جنوده قائد لا يتخلّى، ولأن الأردنيين يبادلون قيادتهم بالوفاء والولاء والعمل الصادق.
فلا خوف على وطن قائده عبدالله الثاني.
ولا خوف على شعبٍ يعرف أن الملك أقرب إليه مما يظن.
نسأل الله أن يحفظ جلالة الملك، ويبارك في عمره ومسيرته، ويُديم على الأردن نعمة الأمن والطمأنينة والاستقرار