لا ينتظر الأردن، ملكًا وشعبًا وحكومة، الشكر من أحد، ولا يسعى خلف عبارات الثناء أو عدسات المجاملة، فهو حين يقدم، إنما يفعل ذلك من منطلق أخلاقه المتجذّرة، وسليقته العروبية، ووصية أنبيائه، وسُننِ ضيفانه الذين مرّوا من أرضه منذ آلاف السنين.
فيصل القاسم، إن كنت نسيت، فذكّر.
هنا الأردن، حيث اللاجئ ليس مجرد نازح في نصوص القوانين، بل ضيف على بيتٍ يفتح بابه قبل أن يُطرق، ويشعل قنديله في وجه الغريب قبل أن يطلب دفئًا.
هنا الأردن، الذي لم يُصنف يومًا اللاجئين حسب انتماءاتهم، ولا حسب هويتهم، بل حسب حاجتهم، لأن الإنسانية عندنا ليست خيارًا موسميًا بل مبدأ يُرضع في حليب الأمهات.
لم نستقبل السوريين طمعًا في شهادة من رئيس أمريكي، ولا سعياً لإرضاء عواصم القرار. بل لأن عروقنا فاضت بما تبقّى من عروبة، ولأن نخوتنا لا تعرف المقايضة ولا المقابل.
هنا في الأردن، وقفنا مع الشعب السوري، لا منّةً ولا مزايدة، بل إيمانًا بأن الظلم لا دين له، وأن الجار لا يُخذل، ولو اجتمع عليه الليل والخذلان. فتحنا البيوت والمخيمات، وحمينا الحناجر التي هتفت، والأنفاس التي اختنقت، ولم نسأل أحدًا: مَن أنت؟ ومن أين أتيت؟
سيد فيصل، نحن لا ننتظر أن تُذكرنا، ولا أن تضع علمنا في مقالك، فنحن الوطن الذي ذكره التاريخ في سفر الأنبياء.
نحن البلد الذي لجأ إليه لوطٌ وموسى ويحيى، وحلّ فيه الحكماء، والمصلحون، والشعراء، لأنه كان وسيبقى وطن اللاجئين والمرتحلين.
نحن لسنا أغنياء بالمال، ولسنا بسطاء الجاه، لكننا أبناء الكرم الذي علّم حاتم الطائي الجود.
نحن من مرّت خيول الفرسان على سهولنا، ومن طعنت سيوفنا في سبيل الحق، ومن استشهد أبناؤنا في جنين والكرامة والزبداني.
نحن الوطن الذي تاه فيه حصان الطائي بين الموجب وذيبان، وذُبح في حسبان، وتعلم أن الكرم ليس في كثرة المال، بل في عزة النفس، وفي صوت الأرملة التي صاحت "يا ربة عمّون، دليني على جبال عمان”.