كم كنت بحاجة إلى ذلك الإحساس الذي خلّفته في نفسي زيارة (بيت الفن) الذي افتتح مؤخّرًا في مبنى N، أحد المباني العصرية المتميزة في جامعة الشرق الأوسط، سيّما وأنه يحتضن كلية الهندسة والتصميم التي تطرح تخصصات حديثة متنوعة، تلبي احتياجات سوق العمل، وتصنع غدًا مشرقًا مفعمًا بالتقدم والإنجاز الذي نستحقّ.
(بيتُ الفنّ): الاسم وحده حكاية؛ فالبيت هو المسكن، ويُستدلّ بهذا اللفظ على سكون النفس بعد اضطراب، وعلى معاني الاستئناس، والراحة، والاستقرار، ليُضاف إلى ذلك كلّه أنه بيت لأنواع من الفنون البصرية تثير في الإنسان أحاسيس وعواطف خاصة، أهمّها عاطفة الإحساس بالجمال، يشكّلها نفاذ الصور، والتصاميم، والألوان إلى العقول قبل القلوب، ليكونَ - من قبلُ ومن بعدُ - تأثير الأفكار والدلالات المقصودة في النفوس، وتغلغل ذلك في زوايا الإدراك، ومنحنيات المشاعر...
فكيف إذا كان ذلك كلّه في جامعة الشرق الأوسط، البيت والمسكن، راعية الفكر، وحاضنة الإبداع، مصنع القادة، وموطن الريادة؟!!
وكيف لوقع ذلك أن يكون؟؟؟ وقد تخلّلت حفل افتتاح معرض الإبداعات المعاصرة تدشينًا لـِ (بيت الفن) كلمات استوقفتني لسعادة الدكتور يعقوب ناصر الدين، مؤسس الجامعة، ورئيس مجلس أمنائها، حملت وصايا مؤثرة بأهمية الالتفات إلى التاريخ، والتراث، والفن، وموروثات الحضارات الخالدة في بلدنا العظيم، وحملت كذلك توجيهات سامية إلى الاستمرار في رعاية الإبداع لدى طلبتنا المتميزين، تعميقًا لصناعة المعرفة بأشكالها كافة، وتجاوز مجرّد تلقيها. وتضمّنت كلمات سعادته كعادته شكرًا ثمينًا إلى الأساتذة الأكارم رعاة هذا الإبداع والتميز، والدافعين إليه، مع تأكيد أهمية دورهم العظيم، انطلاقًا من القول الشعري المأثور لأحمد شوقي: كاد المعلم أن يكون رسولا.
وأنا أجول في ردهات كلية الهندسة والتصميم الواسعة حيث (بيت الفنّ)، سرحْتُ قليلا في تلك المشاعر والأحاسيس التي سيعيشها خريجو جامعة الشرق الأوسط عبر سنوات عمرها العشرين، حين يجتمعون في ملتقى خريجي الجامعة الأول، الذي نترقبه بكل شوق وحبّ يوم الخميس المقبل بإذن الله؛ وهم يروْنَ بأمّ أعينهم ذلك التطوّر العظيم الذي شهدته جامعتهم على المستويات كافة، ويرصدون ملامح التغيّر الجميل الملموس الحاصل على بنيتها التحتية، مشتملة: أبنيتها، وأفنيتها، وساحاتها، ومسطّحاتها الخضراء، ومرافقها كافة، مصاحبًا لتطوّر مشهود وبسمعة عالية، في أعداد كلياتها، وطبيعة برامجها، وتنوّع تخصصاتها، وتميّز كادرها، وفي أعداد طلبتها، وتعدد جنسياتهم، وفي ريادة مبادراتها الإنسانيّة: العلميّة، والبحثيّة، والمجتمعيّة.
إنّه لمنجز عظيم ذلك الذي أهداه طلبة كلية الهندسة والتصميم بجامعة الشرق الأوسط MEU للجامعة في عيد تأسيسها العشرين، منجز احتواه معرض الإبداعات المعاصرة في (بيت الفن)، يحتاج وقفات طويلة متأنية لاستيعاب تفاصيله، وأبعاده، ومضامينه، ورؤاه، ورسائله المبثوثة في كل جزء من أجزاء لوحاته الرائعة، على اختلاف أنواعها وأشكالها، وتنوّع المواد، والألوان، والخطوط المستخدمة فيها، والنصوص المحمولة فيها كذلك على الحقيقة والمجاز؛ للوقوف بالتالي على الأفكار العظيمة التي تعبّر عنها، والمشاعر الدفينة التي تعكسها.
انتهت زيارتي إلى (بيت الفن) الذي ستبقى أبوابه مشرعة للطلبة الباحثين في جامعة الشرق الأوسط عن التميّز والريادة، يرسمون بالريشة فوق لوحاته أحلامهم، ويضيئون بالألوان التي تزيّنها رؤاهم، ويعكسون في تصاميمهم جمال أرواحهم، وسموّ أخلاقهم، وأغلى تطلعاتهم بالخير، كلّ الخير، لوطنهم وأمّتهم.
وأثناء عودتي أدراجي إلى مكتبي وجدُتني أستحضر أبياتًا أخرى لشوقي قال فيها:
قيل: ما الفن؟ قلت: كلّ جميل// ملأ النفس حسنُه كان فنًّا
وإذا الفن لم يكن لك طبعًا// كنت في تركه إلى الرشد أدنى
وإذا كان في الطباع ولم تحْسـُ // ـن فما أنت بالغٌ فيه حسنا
وإذا لم تزد على ما بنى الأوّ// ل شيئا فلست للفن ركنًا