ألقى النائب د. أيمن عودة البدادوة كلمة موسّعة خلال مناقشة مشروع قانون الموازنة العامة للسنة المالية 2026، حملت نقدًا مباشرًا لطريقة إدارة الموارد في الدولة، مؤكدًا أن "التحدي الأكبر ليس نقص الموارد، بل سوء إدارتها"، وأن الأزمة لا تتعلق بما نملك بل "بكيفية إدارة ما نملك".
وقال البدادوة، بعد أن أثنى على كلمة كتلة الأحزاب الوسطية وحزب الاتحاد الوطني، إن قراءة الموازنة وما جاء في تقرير اللجنة المالية تقود إلى خلاصة واحدة:
"لن نخرج من دوامة العجز ما لم تنتقل الحكومة من منطق التبرير إلى صناعة الكفاءة، ومن إدارة اليوم إلى تخطيط الغد بجرأة ومسؤولية".
وأضاف أن الموازنة التي تقدّر عجزها بنحو 2.125 مليار دينار (ما يعادل نحو 4.6% من الناتج المحلي)، ليست المشكلة الحقيقية، بل المشكلة تكمن في القرارات المتعددة والمتغيرة خلال العام الواحد، مستشهدًا بالقرارات المتلاحقة المتعلقة باستيراد السيارات وما نتج عنها من انخفاض في إيرادات هذا القطاع.
وطرح البدادوة إطارًا لرؤية برلمانية ترتكز على خمس دعائم أساسية: الإعلام، القطاع الخاص، المال العام، الاستثمار، والتنمية والتطوير، مؤكداً أن حديثه "يتجاوز المألوف”.
أولًا: الإعلام… الأزمة أخلاق قبل أن تكون مهنية
قال البدادوة إن قوة الدول تبدأ من قوة أدواتها المعرفية، وإن إصلاح الإعلام يبدأ من إصلاح أحوال الإعلاميين أنفسهم، من خلال توفير الأمان المهني ورفع سقف حرية العمل الصحفي دون خوف، ليصبح الإعلام شريكًا حقيقيًا في الإصلاح لا عبئًا عليه.
وتوقف البدادوة مطولًا عند خطورة المحتوى الذي يتلقاه الجيل الجديد عبر منصات التواصل الاجتماعي، مشيرًا إلى أن "سيلًا من المواد الهابطة" يشوّه الوعي ويفسد القيم، يقوده من يصفون أنفسهم بـ"المؤثرين".
وقال مخاطبًا الحكومة: "الحل واضح… يجب تفعيل دور الحاكم الإداري، وإقرار تشريعات صارمة ورقابة ذكية، ودعم المحتوى الهادف، وتمكين صُنّاع محتوى يرفعون الوعي بدل من يهدمونه".
وطالب الإعلام بدور أكبر في إيصال صوت غزة والضفة الغربية، معتبرًا أن "حرب الإعلام اليوم أشد من حرب القنابل".
ثانيًا: القطاع الخاص… حماية الإنسان قبل المؤسسة
أكد البدادوة أن دعمه للقطاع الخاص لا يعني دعم المؤسسات فقط، بل دعم الإنسان الذي يعمل فيها.
وقال: "كيف نطلب من معلم في مدرسة خاصة بناء جيل واعٍ وهو لا يملك الأمان الوظيفي ولا الراتب الكريم؟"
وأضاف أن الدولة مطالبة برقابة عادلة على قطاع التعليم الخاص والشركات التي تُبقي الشباب تحت رحمة أصحاب العمل، مشيرًا إلى أن الشباب أنفسهم يستخدمون مصطلح "العبودية الوظيفية" لوصف واقعهم.
ثالثًا: المال العام… آن للحكومة أن ترفع يدها عن جيوب المواطن
قال البدادوة إن دولًا كثيرة مرت بأزمات اقتصادية لكنها رفعت الرواتب وخفّضت الأسعار وطوّرت الخدمات، بينما في الأردن ارتفعت المديونية دون تحسن ملموس في حياة المواطن.
وأضاف:"أنتم مترددون في اتخاذ قرار زيادة رواتب المدنيين والعسكريين الذين ضحّوا بالنفيس والغالي، بينما المخالفات والمحروقات تطحن المواطن".
ودعا الحكومة إلى خفض أسعار المحروقات، ومعالجة مخالفات السير التي قال إنها "تفوق أحيانًا قيمة المركبة نفسها"، معتبرًا أن الشعب الأردني صابر ويستحق التقاط أنفاسه.
رابعًا: الاستثمار… الأولوية للإنسان الأردني قبل المستثمر الأجنبي
قال البدادوة إن البلاد تملك عقولًا مبدعة مطلوبة عالميًا، لكن تضيق عليها الفرص داخل الوطن.
وأضاف:"قبل أن نستقطب المستثمر الأجنبي، علينا أن نستثمر في الشاب الأردني".
كما طالب بدعم مؤسسة المتقاعدين العسكريين، مستغربًا عدم إعفائها من الضرائب رغم كونها إحدى أهم الذراع الوطنية التي تعيل آلاف المتقاعدين، مشيرًا إلى أن المؤسسة لا تمتلك دعمًا ضمن الموازنة بل تعمل بميزانيتها الداخلية فقط.
خامسًا: التنمية والتطوير… مشروع دولة لا شعارات
أكد البدادوة أن التنمية الحقيقية تبدأ من الخدمات الأساسية: النقل، التعليم، الصحة، الطاقة، والتخطيط الحضري.
وانتقد حالة "التشظي” داخل قطاع النقل، حيث إن الوزارة تملك الرأس دون الأذرع، بسبب توزيع الصلاحيات بين الهيئات وسلطة العقبة والبلديات.
وقال إن أي تطوير حقيقي يتطلب شراكة جادة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، تقوم على المصارحة وتقييم الأداء، لا على المجاملة.
رسالة ختامية حادّة للحكومة
أنهى البدادوة كلمته بتوجيه رسالة مباشرة للحكومة، قائلًا:"الأردن يملك طاقات تكفي ليكون في مقدمة الدول، لكنه يحتاج إلى إدارة لا جباية، إلى حماية للإنسان قبل العنوان، وإلى قرار جريء لا يتردد أمام الأزمات".
وأضاف:"نحن وإياكم قدر الله على هذا الشعب… فإن كنا نحن قدركم فالله يعينكم، وإن كنتم أنتم قدرنا فوفقكم الله لمصلحة هذا الشعب. لا نملك وطنًا غير الأردن، ولا قيادة غير الهاشميين، ولا جواز سفر غير الأردني".