2024-11-22 - الجمعة
00:00:00

آراء و مقالات

اتحاد الدول العربية

{clean_title}
صوت عمان :  

بقلم: الدكتورة آية الأسمر

تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسّراً وإذا افترقن تكسّرت آحاداً...

التخطيط للمستقبل يتضمّن الارتكاز على معطيات الحاضر بناءً على أحداث الماضي، للاستفادة من نمطيّة التاريخ وتجاربه في استخدام أدوات الحاضر لتشكيل مستقبل يستند إلى رؤية واضحة وأهداف محددة.

من هنا جاءت فكرة الاتحاد الأوروبي التي انبثقت خلال خمسينيات القرن الماضي، وقد كانت مشروعا فكريا من الناحية النظرية وجيوسياسيا من الناحية العملية، وقد أثبت هذا النموذج نجاح مراميه وتحقيق غاياته خلال مسيرة تطوره الممتدة.

هل تمتلك الدول العربية مقوّمات تشكيل اتحاد عربي على غرار الاتحاد الأوروبي؟

الجواب على هذا السؤال يحتمل شقّين، الشق الأوّل الذي سيتبنّاه المتشبّتون بتلابيب حلم القومية العربية الحالمون بمحور دول عربية قوي ومتين، سيتبنّون الإجابة بنعم مستندين على وحدة التاريخ واللغة والدم لدول متجاورة مترامية الأطراف وغزيرة الموارد ومترابطة الأوصال، والشق الثاني سيتمسّك باستحالة تحقيق الشراكة الحقيقية بين مجموع الدول العربية ولو جزئيا فضلا عن العموم، وهذه الإجابة ليست طاقة سلبيّة أو محور ممانعة لهذا المشروع بقدر ما هي نظرة مرتكزة على الأسباب التالية:

أولا: السقوط الذريع والفشل المدوّي لمشروع جامعة الدول العربية التي لم تتقدم قيد أنملة في المشروع العربي، متزامنا مع فشل التجربة الناصرية والتناقض والتضارب في دعوة القومية العربية ودعوة الخلافة الإسلامية.

ثانيا: غياب أنظمة حكم عربية ديمقراطية تسعى لتحقيق مصالح قومية عليا لدولها على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والفكرية.

ثالثا: ثقافة عدم تقبّل الاختلاف وضيق الأفق العربي غير القادر على التغاضي عن المصالح الشخصية الضيقة في سبيل تحقيق مصلحة عليا مشتركة، وما تحمله هذه الثقافة من إثم شرخ فكري سياسي عميق على مستوى صانعي القرار في الدول العربية.

رابعا: ارتباط بعض أنظمة الحكم العربية ارتباطا وثيقا سياسيا واقتصاديا بمصالح دول أخرى كبرى تهيمن على صناعة القرار لدى تلك الأنظمة الحاكمة.

خامسا: حالة التشرذم التي تعاني منها الأنظمة العربية فيما بينها، وكذلك حالة فقدان الثقة بين الحاكم والمحكوم، مما يترتب عليه بالضرورة فقدان التأييد الشعبي لأي قرار سيادي سياسي على مستوى النظام الحاكم في القطر الواحد.

مما سبق يمكننا أن نستنتج أمرين أساسيين:

أولهما: أن الدعوة لتأسيس اتحاد دول عربية أو اتحاد عربي مشترك جزئي أو كلي لن يكون بلا معيقات وعراقيل تحتاج إلى إرادة وإدارة، إرادة سياسية وطنية قومية عميقة وواعية وقادرة على استيعاب حجم الاختلاف واختزاله إلى مقاربات ممكنة، وإدارة حكيمة تتجاوز العقبات وتجسّر الفجوات وتعبّد الطرقات لإمكانية تحقيق كيان جيوسياسي يحافظ على استقلالية الدولة ضمن إطار سياسي اقتصادي جامع للدول.

ثانيا: إن فكرة الاتحاد العربي ليست مستحيلة وربما تكون حلا وسطا ووسيطا لتحقيق على أقل تقدير قوة ضاغطة سياسيا واقتصاديا، مما يمنحها بعدا عسكريا قويا عوضا عن حالها الحالي المغرق في الذل والتبعية والهوان والخذلان والضعف والتفسّخ والهشاشة والعجز.

هذه الشراكة العربية بحاجة مبدئيا فقط إلى عاملين لتحقيقها على غرار التفاعلات الكيميائية، عامل البدء الذي يبدأ بها ويحمل رايتها ويؤمن بمشروعها ويرسم ملامحها، والعامل الثاني هو عامل إسراع وتحقيق التفاعل والذي سيحمل مشعل المشروع المضيء ويمضي به قدما محوّلا الفكر النظري الفلسفي من تلافيف الدماغ وفضاء الحلم إلى حقيقة حيّة على أرض الواقع من خلال استراتيجية ووسائل وآليات.

هذه البذرة بحاجة إلى رعاية فكر تتبنّاه أدمغة وأيدي وأقلام وهمم المفكرين والسياسيين والوطنيين والحزبيين والكتاب وأصحاب الرأي لتنمو في تربة صالحة غير فاسدة تمكنّها من النمو والتجذر والتفرّع والتمدد، وأهم خصال وخصائص التربة الصالحة غير الفاسدة تهويتها الجيدة وقابليتها لامتصاص مختلف الأفكار على اختلافها، وخلوّها من سموم المصالح الشخصية والفساد والمحسوبية والخيانة والتبعية.

وللحديث بقيّة...