كتب عبدالرحمن خلدون شديفات
من اللحظة الأولى لوصوله، بدا واضحًا أن جيمس هولتسنيدر لم يأتِ إلى عمّان بصفة بروتوكولية تقليدية. الرجل تحرك بسرعة، انخرط بالمجتمع، قدّم واجبات اجتماعية، لبس الشماغ، تذوّق المنسف، وتجول في مهرجان الزيتون، في مشاهد تحمل رمزية مدروسة لا تُترك للصدفة في عالم السياسة
لكن خلف هذه اللقطات "البسيطة” تقف قراءة سياسية عميقة. فهولتسنيدر ليس دبلوماسيًا عابرًا؛ بل رجل ذو خلفية عسكرية وسياسية ثقيلة، خدم في مواقع حساسة، وعمل بالقرب من مراكز القرار الأمني في بلاده. وصوله إلى عمّان جاء بصفة سفير فوق العادة ومفوض بصلاحيات واسعة، وهو توصيف لا يُمنح إلا في محطات تريدها واشنطن أن تكون مفتوحة على كل الاحتمالات.
لماذا هذا النوع من السفراء الآن؟
التوقيت الإقليمي لا يحتمل المجاملة. فالأردن يشكّل عقدة توازن في منطقة مضطربة، وواشنطن تحتاج إلى سفير:
•قادر على إدارة ملفات أمنية معقّدة على حدود ثلاث ساحات ملتهبة.
•يستطيع بناء قراءة مباشرة للشارع الأردني، بعيدًا عن التقارير الورقية.
•يملك قرارًا سريعًا دون الرجوع إلى واشنطن في كل تفصيل.
•يفهم حساسية الدور الأردني في ظل تغييرات التحالفات الإقليمية.
إرسال شخصية بهذا الوزن ليس "تعيينًا” بقدر ما هو استثمار استراتيجي في علاقة تعتبرها الولايات المتحدة جزءًا من بنية استقرار المنطقة.
الشماغ والمنسف… سياسة ناعمة ورسائل صلبة
ظهور هولتسنيدر بالشماغ وتناوله المنسف لم يكن مجرد حدث اجتماعي. هذه خطوات محسوبة هدفها:
•كسر الحاجز الشعبي وفتح قناة تواصل اجتماعي مبكرة.
•اختبار المزاج الأردني من الداخل، لا من خلف زجاج السفارة.
•تهيئة الأرضيّة لتواصل سياسي أسهل وأكثر قبولًا.
هذه أدوات دبلوماسية ناعمة، لكنها تؤسس لمرحلة يتحرك فيها السفير بثقة، ويقود فيها ملفات قد تكون حساسة داخليًا وإقليميًا.
مرحلة جديدة في العلاقات الأردنية–الأمريكية
وصول هولتسنيدر بهذه الطريقة يعكس أن واشنطن ترى الأردن شريكًا محوريًا في الملفات القادمة. ومن المتوقع أن نشهد:
•حضورًا أمريكيًا أعمق في ملفات الأمن الحدودي.
•دعمًا اقتصاديًا مرتبطًا بخطوات إصلاحية واضحة.
•دورًا أمريكيًا مباشرًا في التنسيق الإقليمي عبر عمّان.
•رسائل سياسية حازمة للحفاظ على استقرار المملكة.
في المحصلة… جيمس هولتسنيدر ليس مجرد سفير جديد؛ بل فاعل سياسي يتحرك بثقل، ويعيد رسم طريقة حضور الولايات المتحدة في الأردن، من المجتمع… إلى القرار