مع اقتراب الاستحقاق النيابي الأبرز والمتمثل بانتخاب رئيس مجلس النواب، تبدو صورة المنافسة أكثر تعقيداً من الأعوام السابقة، بعدما دخلت عناصر جديدة على خط المعادلة، أبرزها الاندماج بين حزبي "تقدّم” و”إرادة” في إطار حزب "مبادرة”. هذا التحول لا يُقرأ فقط من زاوية الدمج التنظيمي، بل كإشارة إلى بداية مرحلة إعادة تشكيل التوازنات داخل البرلمان على أسس حزبية واضحة.
حتى الآن، يظل المشهد غير محسوم. رئيس المجلس الحالي أحمد الصفدي لم يعلن موقفه النهائي، والنائب مجحم الصقور من كتلة الميثاق الوطني لا يزال يدرس خياراته، بينما جاء إعلان النائب علي الخلايلة – عضو الميثاق – عن الترشح للرئاسة مشروطاً بقرار حزبه، في خطوة تعكس تحولاً نوعياً: لم يعد القرار فردياً أو معتمداً على التحالفات الشخصية، بل بات مرتبطاً بالإطار المؤسسي الحزبي، وهو ما يتسق مع فلسفة الإصلاح السياسي التي دفعت نحو ترسيخ العمل الحزبي البرلماني.
الاندماج الجديد بين "تقدّم” و”إرادة” تحت اسم "مبادرة” يعيد خلط الأوراق، خصوصاً أن كتلة "إرادة والوسط الإسلامي” طرحت سابقاً اسم مصطفى الخصاونة للرئاسة، لتتغير المعطيات مع دخول الدكتور مصطفى العماوي مرشحاً معلناً للموقع. ما يعني أن المنافسة لن تقتصر على شخصيات ذات ثقل فردي فقط، بل ستتأثر بمدى قدرة الكتل الحزبية الناشئة على التماسك وإثبات حضورها كقوة منظمة قادرة على صناعة القرار.
من زاوية أعمق، يطرح هذا المشهد سؤالاً محورياً: هل نحن أمام لحظة انتقال حقيقية من رئاسة مجلس النواب بوصفها نتاج توافقات تقليدية وتحالفات ظرفية، إلى رئاسة تعكس بالفعل مخرجات العمل الحزبي والكتل البرلمانية؟ الإجابة ستتضح مع اقتراب موعد الاستحقاق، لكن المؤشرات الأولية تعكس ديناميكية جديدة لا يمكن تجاهلها.
يبقى الصفدي رقماً صعباً بحكم خبرته ومكانته، غير أن دخول أسماء حزبية مثل الخصاونة والعماوي يعكس ملامح مرحلة مختلفة، حيث لا يقتصر التنافس على الشخصيات، بل يمتد ليشمل اختباراً حقيقياً لمدى قدرة التجربة الحزبية الأردنية على ترجمة حضورها إلى مقاعد القرار داخل المؤسسة التشريعية.
بالتالي، فإن انتخابات رئاسة المجلس المقبلة لن تكون مجرد سباق على مقعد، بل محطة مفصلية تكشف عن عمق التحول الذي يشهده البرلمان: من برلمان قائم على الكتل الفضفاضة إلى ساحة تعكس وزناً متنامياً للعمل الحزبي، وقدرته على إعادة صياغة معادلات القوة داخل "بيت الشعب”.