قد تبدأ يومك باحتساء قهوة عربية، ثم تُنهيه و أنت تستمع لموسيقى غربية أو تتابع مسلسلاً آسيوياً مترجماً.عالم تتقاطع بهِ الثقافات بسرعة البرق، يبقى السؤال المُلح:كيف يمكننا أن نتمسك بهويتنا الثقافية و نحافظ على أصالتنا دون الانغراس الأعمى في الانفتاح على العالم الغربي؟
هّويتنا الثقافية ليست مُجرد إرث سّاكن ورثناه مِن الكُتب و المتاحف، بل هو كيان حّي يتجدد مع كل جيل، إنها لُغتنا الأم، العادات التي نُمارسها، التقاليد التي نعتز بها، و القيم التي نؤمن بها، إلى جانب أن العولمة بما تحمله تدفقٍ إعلامي و موجاتٍ ثقافية قد تُغري البعض بالتقليد الأعمى، فتذوب الملامح الخاصة و يختفي الحد بين "الأنا" و "الأخر".
ومع ذلك، فأن الأنفتاح ليس بالضرورة عاصفة تقتلع جذور الهوية، بل قد يكون جسراً يفضي إلى آفاق أوسع من المعرفة و التجربة، ولكن هنا يمكن التحدي: أن نأخد من العالم ما يثري عقولنا و يغذي عُرفنا، دون أن نفرّط بجذورنا أو نسمح لأي تيار بأن يقتلعنا مِن أرضنا.
التوازن ينبع مِن داخلنا، من التعليم الذي يعزز الانتماء، ومن إعلام يُبرز قوة الهوية المحلية و يُنافس عالمياً، ومن شباب يفتخرون بتراثهم لكنهم لا يهابون التفاعل مع الجديد و الإنخراط به. فالثقافة التي لا تنفتح تذبل، و الثقافة التي تنصهر تذوب، أما الثقافة التي توازن فهي التي تبقى و تزدهر.
فالنهاية الهوية ليست جداراً عالياً يقف في وجه الريح، بل شجرة وارفة تضرب بجذورها في عمق الأرض، و ترفع أغصانها إلى الشمس والهواء. كلما آشتدت جذورها، ازدادت مرونتها في مواجهة العواصف، وهكذا يصبح الانفتاح نسمة حياة تضاف إلى وجودنا، لا عاصفة تهدد بفقداننا لأنفسنا.