أجرى رئيس الوزراء الدكتور جعفر حسان، اليوم الأربعاء، تعديله الحكومي الأول منذ تشكيل حكومته قبل عام، ليكشف عن ملامح توجه جديد يبدو أنه يقوم على إعادة تعريف العلاقة بين الشخص والموقع، بعيدًا عن حسابات المحاصصة التقليدية.
التعديل، الذي شمل عشرة حقائب وزارية، حمل رسالة واضحة: الكفاءة أولاً. فقد أُدخل إلى الفريق الحكومي ثمانية وزراء جدد للمرة الأولى، من بينهم سيدة واحدة، مقابل خروج عشرة وزراء، بينهم وزيرتان.
ورغم أن بنية الحكومة لم تشهد تغييرات جذرية من حيث الحجم أو الشكل، فإن مضمون التعديل يعكس تحولاً في الفلسفة السياسية للتعيين، إذ تم اختيار وزراء وفق اختصاصاتهم الدقيقة وخبراتهم المهنية، لا على أساس التوزيع الجغرافي أو السياسي، كما كان سائداً في العديد من التعديلات السابقة.
وجوه جديدة بملفات متخصصة
التعديل اعتمد بشكل لافت على قاعدة "الاختصاص في المكان الصحيح”، وهو نهج نادرًا ما اتُبع بوضوح في الحكومات الأردنية. الوجوه الجديدة جاءت من خلفيات أكاديمية ومهنية مباشرة ترتبط بملفاتهم الوزارية.
•د. صائب خريسات – وزير الزراعة: أستاذ جامعي ورئيس سابق لجامعة العلوم والتكنولوجيا، وحاصل على دكتوراه في الإنتاج النباتي.
•د. إبراهيم البدور – وزير الصحة: طبيب مختص في جراحة الدماغ والعمود الفقري، وعضو سابق في مجلسي النواب والأعيان.
•د. عماد حجازين – وزير السياحة: شغل سابقًا منصب الأمين العام للوزارة، ويحمل دكتوراه في الإدارة والتخطيط الاستراتيجي.
•طارق أبو غزالة – وزير الاستثمار: خبير اقتصادي ومستشار سابق في الديوان الملكي، وأحد مهندسي رؤية التحديث الاقتصادي.
•د. رائد العدوان – وزير الشباب: محافظ سابق، وذو خبرة في شؤون الانتخابات والتنمية وحقوق الإنسان.
•د. أيمن سليمان – وزير البيئة: كان مفوض البيئة في سلطة العقبة، وله خلفية أكاديمية متخصصة في علوم البيئة.
•عبداللطيف النجداوي – وزير دولة لشؤون رئاسة الوزراء: قانوني وإداري، شغل سابقًا موقع أمين عام رئاسة الوزراء.
•بدرية البلبيسي – وزيرة تطوير القطاع العام: إدارية مخضرمة، تولّت سابقًا مواقع قيادية منها أمين عام ديوان الخدمة المدنية، وعضو في لجنة تحديث القطاع العام.
عودة القطامين وتقليص حقيبة
عاد الدكتور نضال القطامين إلى حقيبة النقل، مستندًا إلى خبرته السابقة في ذات الموقع، في حين خرج الوزير أحمد العويدي من الحكومة، لتُلغى معه حقيبة وزارة الدولة، ويُسجَّل بذلك أول تقليص فعلي في الفريق الوزاري.
تراجع نسبي في تمثيل المرأة
على صعيد التوازن الجندري، فقد شهد التعديل تراجعًا عدديًا في تمثيل النساء داخل الحكومة، حيث خرجت وزيرتان ودخلت سيدة واحدة فقط، لتصبح الحصيلة أربع وزيرات بدلاً من خمس، ما يطرح تساؤلات حول استدامة تمكين المرأة في المراكز القيادية العليا.
أضخم الحكومات… وإلغاء حقيبة واحدة
عند تشكيلها، اعتُبرت حكومة حسان من أضخم الحكومات في تاريخ المملكة، إذ بلغ عدد أعضائها 32 وزيرًا. ورغم التوقعات بتخفيض العدد، جاء التعديل محدودًا من هذه الزاوية، مع إلغاء حقيبة واحدة فقط، ما يفتح بابًا للنقاش حول مدى استجابة الحكومة لمطالب الرشاقة الإدارية والفعالية التنفيذية.
مؤشرات الكفاءة على حساب الضجيج
يوحي التعديل بأن الرئيس حسان يتجه إلى ترسيخ نهج جديد في العمل الحكومي، عنوانه: الخبرة قبل التوازنات، والملف قبل الاسم.
وإن كان هذا التعديل خطوة محسوبة وغير صاخبة، فإن اختباره الحقيقي سيكون في الأداء، لا في التشكيل. فالمواطن لم يعد معنياً بالسير الذاتية، بقدر ما يعنيه الأثر الملموس للسياسات والقرارات على حياته اليومية.
الكرة الآن في ملعب الفريق الجديد: إما أن يكونوا نقطة تحول نحو أداء نوعي يواكب تحديات المرحلة، أو مجرد "تعديل رتيب” في بنية تقليدية ما زالت تقاوم التغيير العميق.