في الوقت الذي يواجه فيه أهلنا في قطاع غزة أبشع عدوان، وفي لحظة إنسانية تتطلب أعلى درجات المسؤولية والتكاتف، يخرج بعض قادة حماس بمواقف وتصريحات مستهجنة، لا تعبّر عن وعي بحجم المأساة، ولا تنمّ عن إدراك لحجم الجهد الذي يُبذل من أشقائهم، وفي مقدمتهم الأردن.
إن رفض أي مبادرة إنسانية أو تشكيك دائم في الجهود المخلصة، كما تفعل بعض قيادات حماس، لا يخدم إلا استمرار معاناة أهلنا في غزة. الأردن يقدّم إنزالات جوية إنسانية منذ شهور، بدافع الواجب، لا المزايدة، ومن يجد في كل حل مشكلة، يضع نفسه في موقع المعطّل لا الشريك في الحل ، فبدلًا من تقدير الإنزالات الجوية الأردنية المتواصلة، التي نفّذها سلاح الجو الملكي تحت الخطر لإيصال الدواء والغذاء إلى المستشفيات والمناطق المحاصرة، آثر هؤلاء القادة أن يشكّكوا ويزايدوا، متخذين من كل مبادرة إنسانية منصة لخطاب التخوين والمكايدة، متناسين أن الأرواح التي تُنقذ لا تنتظر موافقتهم ولا حساباتهم السياسية الضيقة.
الأردن، بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني، تبنّ منذ البداية مواقف واضحة وثابتة في دعم القضية الفلسطينية، والدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني، وفي مقدمتها إقامة الدولة المستقلة على حدود 1967، ووقف العدوان على غزة، ورفض تهجير السكان أو تصفية القضية تحت أي ظرف ، وهذه المواقف العقلانية، التي تعبّر عن التزام وطني وقومي راسخ، وُوجهت بحملات تشكيك وتشويه، تشنّها أطراف مأزومة، تبحث عن بطولات وهمية في مهاجمة العواصم التي ما زالت تحمل بوصلتها نحو القدس، لا نحو الشعارات.
ما يجري هو قلب متعمّد للموازين: يصبح الدفاع عن الأمن القومي "خيانة"، والمطالبة بحل سياسي "مساومة"، بينما يُروّج للعبث والشتائم على أنها مقاومة.
فأعلموا ان التاريخ لا يُخدع، ولا ينخدع ، والمواقف الأصيلة، وإن ضُغطت وشُوّهت، تبقى صامدة لأنها نابعة من منطق الدولة، لا من مزاج اللحظة وسيظل الأردن حجر أساس في معادلة التوازن العربي، مهما علت الأصوات العابرة، ومهما حاول البعض تشويه النُبل السياسي بحملات الوهم والضجيج.
واعلموا انه في زمن الموازين المقلوبة، تزداد الحاجة إلى العقول الثابتة... وإلى المملكة الاردنية الهاشمية التي تعرف متى تتكلم، ومتى تصمت، ومتى تفعل بصمت ما يعجز عنه الصاخبون ، أما هذه التصرفات فهي لا تسيء إلى الأردن فحسب، بل تسيء إلى القضية الفلسطينية نفسها، لأنها تزرع الشك بدل الامتنان، وتشوّه الجهد بدل دعمه. الأردن لم يتاجر يومًا بالقضية، ولم ينتظر شكرًا، لكنه لن يصمت أمام محاولات الطعن في نواياه.
لقد آن الأوان أن يُقال بوضوح: من يقف حجر عثرة أمام أي محاولة لإنقاذ أهل غزة، فهو شريك في معاناتهم، شاء أم أبى.