في الأيام الأخيرة، لوحظ تكرار تركيز بعض المنصات الإعلامية الخارجية، وتحديدًا قناة الجزيرة، على توصيف أحداث اجتماعية أو قضايا إنسانية في العاصمة الأردنية عمّان، عبر استخدام تسمية محددة: «حي الطفايلة». لم يكن الأمر ليثير الريبة لو جاء عابرًا أو جاء في سياق التغطية العادية، لكن تكرار العبارة بصيغة «أطفال حي الطفايلة» بدلًا من «أطفال أردنيين» أو «أطفال عمّان» يفتح الباب أمام تساؤلات مشروعة: لماذا يُفصل الحي في التغطية وكأنه كيان مستقل؟
يقع حي الطفايلة في قلب العاصمة، وهو حي قديم وراسخ، وأبناؤه جزء أصيل من النسيج الاجتماعي في عمّان. فلماذا تُختزل الحالة الإنسانية هناك وكأنها حالة «معزولة»؟ وهل نضج الوعي الجمعي الأردني كفايةً ليتفادى آثار هذا الخطاب، إن كان مقصودًا؟
ليس سرًّا أن القوى الإعلامية غالبًا ما توظّف المفردات بعناية فائقة حين تريد بناء سرديات جديدة أو إعادة إنتاج روايات قد تُستخدم لاحقًا كأوراق ضغط سياسية أو اجتماعية. والخطورة هنا أن اجتزاء الهوية الجغرافية أو التلميح لعزلة المناطق قد يزرع شعورًا نفسيًا لدى بعض الفئات بأنهم أقل حظًا أو خارج دائرة الاهتمام الرسمي. ومع الزمن، تتحوّل هذه الخطابات إلى مطالبات خاصة أو شعارات مناطقية يجد فيها بعض الانتهازيين فرصة للمتاجرة بالهموم.
يدرك الأردنيون أن حي الطفايلة ليس «دولة داخل دولة»، بل أحد أحياء العاصمة التي وُلد فيها أجيال من الكفاءات والعائلات الكريمة. لذا من حق الأردنيين أن يسألوا: هل هذا التركيز صدفة بريئة؟ أم محاولة لصناعة عناوين قابلة للاتجار لاحقًا؟
الكرة الآن في ملعب الجهات الرسمية والمؤسسات الإعلامية المحلية التي يجب أن تكون يقِظة لهذا النوع من الخطابات، وأن تعمل على إبراز وحدة المجتمع وعمقه المشترك دون إذكاء الروح الفرعية أو المناطقية.
قد يرى البعض أن هذه المخاوف مبالغ فيها، لكن التاريخ مليء بالشواهد التي تؤكد أن اللعب على وتر الانقسام يبدأ دائمًا من مفردة أو عبارة أو تقرير عابر.. قبل أن يصبح عنوانًا أكبر من قدرة الجميع على احتوائه.
فهل ننتبه اليوم.. قبل أن نصحو غدًا على «ارتدادات» كنا نملك فرصة إبطال مفعولها؟