كتب عبدالرحمن خلدون شديفات
في أحد مشاهد العبث التي تشي بانقلاب المفاهيم، لم يكن الشاب الذي تسلّق سور الجامعة في جنح الليل مجرمًا أو لصًا يحاول سرقة ممتلكات الغير، بل طالبًا جامعيًا لم يجد سبيلًا آخر للدخول إلى قاعة الامتحان، بعدما حُرِم حقّه في التقديم بسبب تأخره عن دفع الرسوم الدراسية.
المفارقة لا تكمن فقط في الموقف، بل في الرسالة: في بلد لطالما اعتبر التعليم حقًا دستوريًا وأداةً للارتقاء الاجتماعي، يُمنَع طالب من دخول الامتحان لأنه لا يملك ما يكفي من المال. المشهد ليس حادثًا فرديًا، بل مرآة قاتمة تعكس واقعًا مُرًّا تعيشه فئة واسعة من طلاب الجامعات الخاصة، حيث باتت المؤسسات التعليمية تتعامل مع الطلبة بعقلية الزبون والدائن، لا الطالب والمتعلم.
الجامعات الخاصة – التي من المفترض أن تُشكّل رديفًا وطنيًا لدعم التعليم وتطويره – باتت اليوم غارقة في منطق السوق، تُقدّم التعليم كسلعة، وتُمارس ضغوطًا مالية لا تراعي الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمرّ بها آلاف الأسر. فلا يُسمح للطالب بتقديم الامتحان، ولا تُسلّم له علاماته، ولا يُعطى وثائقه، طالما لم يُسدّد كامل الرسوم، ولو كان متفوقًا أو على مشارف التخرّج.
وبدلًا من أن تكون هذه المؤسسات حاضنًا للعلم، باتت أقرب إلى شركات تُراكم الأرباح، وتُحصي المبالغ، وتُرسل الإنذارات، وكأن رسالتها الحقيقية قد ضاعت في زحمة التوسّع التجاري والتنافس على الأرباح.
من يتحمّل مسؤولية هذا الانحدار؟ وزارة التعليم العالي تُمارس دور المتفرج، تتغنى بمعايير الجودة والاعتمادات، دون أن تضع حدًا واضحًا لهذه الممارسات. أين السياسات العامة التي تضمن حق الطالب في التعلّم، وتحول دون حرمانه من التقدّم للامتحان لأسباب مالية؟ أين صناديق الدعم؟ وأين الرقابة على سياسات الجامعات المالية؟
ثمّة حاجة ماسة لإعادة تعريف العلاقة بين الطالب والمؤسسة التعليمية: علاقة تقوم على الشراكة والمسؤولية، لا على الجباية والضغط. فالاستثمار الحقيقي ليس في البنية التحتية أو الأبراج الإدارية، بل في الطالب الذي يحمل القلم بيد، ويحمل الوطن في قلبه.
الطالب الذي تسلّق الجدار ليس مجرمًا… بل ضحية. ضحية نظام تعليمي انزلق من كونه رسالة وطنية إلى كونه مشروعًا استثماريًا. وإن لم نُعِد ضبط البوصلة، فسنجد أنفسنا أمام أجيال تسلّقَت الجدران لتدخل الجامعة، وخرجَت منها بلا حلم… وبلا أمل