نحن في هذا الوطن العميق العريق المسمى بالأردن ، وصاحب التسمية التاريخية المتعمقة بجذور الأديان السماوية، نرتبط بالملكوت والفضاء الرباني رغماً عن أنوف المشدوهين !
فإن للطيب وعراقة المنشأ في هذا البلد الصغير صفات واسعة لا حدود لها ، فيشعر الدارس والقارئ للأردن أنه أمام قارة من الحضور الجغرافي في إنسان .
ففيه الأنصار وفيه المهاجرون وفيه الضيوف وفيه اللاجئون وفيه النازحون وفيه الهاربون (والدخيلون ) ( ليس الدخلاء ، ولكن من الداخلين على الشهامة والنخوة للنجدة ) وفيه الزوار والسائحون والسياسيون والمثقفون والتجار المغروسون من غير أرضه في أرضه ، وفيه الموالون والمعاتبون ، وفيه المغالون بالنقد والتجريح واللامبالاة بتجريح الطيبة فيه ! وفيه المسحجون الدبيكة ، وفيه الواقفون على حدود الصبر والحاملون راية الهوية دون قعود .
وفيه الجنود الرافعون شعار عروبتهم بلا كلل رغم أنف الرعاف .
ورغما عن مكنوز سماء أردنك وترابه ونسيم رضا السماء فهو لا ينال رضاك .
تنكش وديانه لتشرب نبع صفائه ، وعندما يجف النبع تردم ثغر نبعه وتلقي على وجهه عقب سيجارتك ، وتلقي ركام نفاياتك. تهب ريح المساء عليك حزينة لفعلك ، وتغضب وتحتج ويتطاير شعرك كالبهلول متأففا لمشهد خراب وجفاف نبع الماء ، متناسيا أنك من حقنت الماء في حلقه وخنقت في صدره زلال الشراب .
تزمجر رياح شروق وطنك لتوقظك ، فتغفو ولا تفتح عينيك إلا متسربلا بالغروب .وتتغاضى عن الشروق .
تريده لذراعيك المقبوضتين وطنا مطواعا معطاء باذلا وأنت مصفف الشعر ، تاركا شعر رأسه يعتمل بما فعلت يداك وشعره منكوش .