2024-11-25 - الإثنين
00:00:00

آراء و مقالات

الأردن ذاك الوجه الصبوح

{clean_title}
صوت عمان :  

عائشة الخواجا الرازم


نحن في هذا الوطن العميق العريق المسمى بالأردن ،  وصاحب التسمية التاريخية المتعمقة بجذور الأديان السماوية، نرتبط بالملكوت والفضاء الرباني رغماً عن أنوف المشدوهين ! 
فإن للطيب وعراقة المنشأ في هذا البلد الصغير صفات واسعة لا حدود لها ، فيشعر الدارس والقارئ للأردن أنه أمام قارة من الحضور الجغرافي في إنسان .
 ففيه الأنصار وفيه المهاجرون وفيه الضيوف وفيه اللاجئون وفيه النازحون وفيه الهاربون (والدخيلون )  ( ليس الدخلاء ، ولكن من الداخلين على الشهامة والنخوة للنجدة ) وفيه الزوار والسائحون والسياسيون والمثقفون والتجار المغروسون من غير أرضه في أرضه ، وفيه الموالون والمعاتبون ، وفيه المغالون بالنقد والتجريح واللامبالاة بتجريح الطيبة فيه ! وفيه المسحجون الدبيكة ، وفيه الواقفون على حدود الصبر والحاملون راية الهوية دون قعود .
وفيه الجنود الرافعون شعار عروبتهم بلا كلل رغم أنف الرعاف .
ورغما عن مكنوز سماء أردنك وترابه ونسيم رضا السماء فهو لا ينال رضاك .
تنكش وديانه لتشرب نبع صفائه ، وعندما يجف النبع تردم ثغر نبعه وتلقي على وجهه عقب سيجارتك ، وتلقي ركام نفاياتك. تهب ريح المساء عليك حزينة لفعلك ، وتغضب وتحتج ويتطاير شعرك كالبهلول متأففا لمشهد خراب وجفاف نبع الماء ، متناسيا أنك من حقنت الماء في حلقه وخنقت في صدره زلال الشراب .
تزمجر رياح شروق وطنك لتوقظك ، فتغفو ولا تفتح عينيك إلا متسربلا بالغروب .وتتغاضى عن الشروق .
تريده لذراعيك المقبوضتين وطنا مطواعا معطاء باذلا وأنت مصفف الشعر ، تاركا شعر رأسه يعتمل بما فعلت يداك وشعره منكوش . 
ففيه أنت ، أنت القلق بهاجس الهجير وهجرة طامحة طامعة بغيره . حتى ليستقر ويعشش فيك نزق هجره وإهمال واجبه وأنت فيه .
تمضي أيامك وقدماك على ثراه ومطمعك في نواياك مغادرته ، وأنت لا تراه .
تستصغره فلا يعنيك غسل وجهه ورش عطر زهره على كتفيك . 
تراه معفرا بالقاذورات والشروخ والتشوهات ، فتزيد بيديك أنت عليه . وتزداد رغبة بالبحث عن وجه غريب نظيف بسوم تعاشره ملاذا غير ذي عراقة كأردنك المهجور ، 
يطل عليك في الفجر هذا الأردن الصبور مادا ذراعيه ليوقظك ! 
يأتيك حنونا رؤوما ، فتصرخ في وجهه : ما الذي منحتني إياه أيها المعفر القادم من شروش التاريخ ؟
يجيبك: احتضنتك عزيزا مدللا وجعلتني مهلهلا … لم تلحظ دموعي والزائر الغريب المقتنص لجناحي ، يتطلع في ملامحي شامتا بما فعلت وخطت يداك على صفحات وجهي الصبوح !