لا يحتمل الأردن كل هذه الضغوطات على عصبه العام، إذ تكفيه الأزمات التي يواجهها، والأولويات التي يقف أمامها، في ظل المصاعب التي يعيشها الناس، والمخاطر التي تتدفق في دول الجوار، وآخرها المذابح التي نراها في الضفة الغربية، على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي.
الجو العام صعب جدا وحساس، ولا يحتمل أي تحشيد تحت أي عنوان، حتى لا يصل البلد الى تأزيم جديد بسبب أخطاء قد لا يتوقع البعض كلفتها.
في قصة الوحدات والفيصلي، ولهما كل الاحترام، ولتاريخهما الكروي، علينا أن ننتبه إلى أين يذهب الجمهور من جهة، وأين تذهب الإدارات، والعنوان الرياضي فقط، لا يغطي حسابات الكلف والمخاطر، لاحقا، في بلد رأسماله وحدته واستقراره، وأمنه وسط عالم تتداعى أركانه.
التحشيد الذي رأيناه في وسائل التواصل الاجتماعي، وشتائم المدرجات، لا تأتي مما يمكن وصفه بغالبية المجتمع، بل من أفراد غاضبين، لا يحسبون حسابات الكلف، وليس أدل على ذلك من خروجنا للتو من مقتل طفل يشجع فريق ما، على يد مراهق يشجع فريق ما، وكلاهما ضحية لهذا الجو، وخسارة العائلتين هنا، لن يعوضها أحد، فالابن الراحل لن يعود، والابن القاتل لن يسلم، فماذا استفدنا جميعا من هذا الضرر، الذي امتد الى عائلات أردنية كريمة، وأضر بأطفالها؟.
والمفارقة أن الأردن الذي مر بالربيع العربي، لم يخسر نقطة دم واحدة، لكنه في الرياضة خسر حياة طفلين، واحد توفى، والثاني يواجه اليوم مصيره، وتتساوى عائلتيهما في الابتلاء المر.
هذا الكلام ليس تسييسا للرياضة، لكنها بصراحة محاولة للتذكير بسياق الجو العام، وهو جو ينأى المتعلمون والمثقفون والوطنيون بأنفسهم عنه، وإن كانوا يشجعون هذا الفريق أو ذاك.
فوق كل هذا تأتي ادارة نادي الوحدات وتعترض على نقل مباراتها مع الفيصلي إلى إربد، وتريدها في ملعبها في القويسمة، واعتراضها لا تتم معالجته بطرق صحيحة ولا عبر تفعيل البدائل، بل تذهب إلى التصعيد وزيادة الأزمة في توقيت خطير جدا، لا يحتمل هذا التصعيد، ولا أذكاء النار، تحت عناوين رياضية، وإذا كنا نفهم أن من حق النادي أن يلعب مع الفيصلي على استاد القويسمة، كونه ملعبه البيتي، فإن الأولى كان أن نتذكر أن كل ملاعب الأردن هي ملاعب النادي وبيته أيضا.
القرار بالانسحاب من الدوري، قرار خاطئ، رياضيا وسياسيا واجتماعيا، ومن ناحية رياضية فهذا تدمير للنادي، لان قرار الانسحاب الذي يترتب عليه تهبيط النادي الى الدرجة الأولى وتغريمه نحو 100 ألف دينار خلافا للعقوبات الأخرى في ظل مديونية تقارب 2 مليون دينار، فيما الخسارة ستكون مليون دينار سنوي بين رعاية وتحصيلات مالية من الاتحاد وريع المباريات.
هذه ليست ثنائية رياضية، هذه ثنائية مؤذية، لاننا نعرف أن كل جمهور من جماهير هذا النادي قد يخطئ، وقد يستعمل هتافات مؤذية، وقد يرد جمهور ثان بذات الطريقة، فيما الأردن الذي نعرفه لا يعيش بهذه الطريقة أصلا، واذا أردنا فتح باب المظلومية فلن ننتهي وكل طرف سوف يقول إنه مظلوم، وإن الطرف الثاني هو الظالم، وهكذا نتناحر في توقيت ثقيل.
ماذا تريد إدارة نادي الوحدات أكثر من اتصال الأمير علي بن الحسين، الذي اعتبر أن قرار نقل المباراة إلى إربد جاء لدواع أمنية حفاظا على سلامة الجماهير وأركان اللعبة، وأن الاتحاد على مسافة واحدة من كل الأندية، وهل يريد النادي أن نوجه له الاستغاثات حتى يدرك كلفة القرار.
قصة انسحابات نادي الوحدات من البطولات قديمة جديدة، وكل مرة يعود عن انسحابه، لكننا هذه المرة أمام قصة مختلفة، لان الجو العام، لا يحتمل هذا التصعيد ابدا، والبحث عن الشعبوية والتصفيق الساذج، يعبر عن سوء تقدير للحظة، وعن مناكفة غير مجدية، في بلد يمر بأكثر الظروف حساسية، وأهله جميعا، لديهم من الهموم ما يكفيهم عن هذه التراشقات.
لو كنت رئيسا للوحدات، لفضلت أن أذهب إلى إربد، وأقرر وفريقي أن تتم هزيمتنا، بشكل مسبق، وسأكون لحظتها الفائز حقا، حين يسلم الأردن من هذه التراشقات، ويفوز هو أولا.