كتب النائب الأسبق والخبير الاقتصادي د. انور العجارمة بعنوان الفيدرالي الأمريكي والانتحار الاقتصادي؟
مؤكداً على أن اجراءات السياسة النقدية حيال الانصياع لقرار مجلس الاحتياطي الفيدرالي من رفع سعر الفائدة لاتكفي ولاتناسب الحالة الاردنية وانها بمثابة انتحار اقتصادي مالم يرافقها تبني اجراءات حكيمة في المجالات السياسية والاقتصادية والمالية والنقدية والاجتماعية والتنظيمية والهيكلة واصلاح التشريعات، وقال:
دول العالم أجمع وكافة القوى الاقتصادية تنتظر قرار مجلس الاحتياطي الفيدرالي من رفع سعر الفائدة تحسباً لتبعاته على اقتصاديات الدول والتكهن بمدى تأثير واستجابة المحركات الرئيسية متمثلة ببوصلة سلوك المستهلك وميول المستثمر على حد سواء وبالتالي التحكم باسواق التجارة العالمية وتوجيه الاسهم والسندات واسعار العملات وتجارة المواد الغذائية واسواق الذهب والبترول والمعادن الاخرى والتي تنعكس على تحريك اقتصاديات الدول والتأثير بها لأحداث بطء او رواج اقتصادي بمستويات مختلفة تتراوح بين استجابة بسيطة او متوسطة او شديدة بناءاً على قوة البنيان الاقتصادي للدولة وحجم السيولة المتداولة في السوق ودرجة المرونة في الاستجابة، كما وان العالم يشهد حالياً اضطراب اقتصادي (مالي ونقدي) زادت حدته مع تبعات السياسات النقدية المختلفة في مواجهة جائحة كرونا والتي اجبرت الدول الصناعية وعلى راسها الولايات المتحدة الامريكية في ضخ مزيد من السيولة في الاسواق (نحو 6 تريليون دولار) على شكل دعم للشركات واسواق اضافة لمساعدات نقدية للاسر الامريكية حتى تضاعف مبلغ المال المتداول في السوق لثلاثة أضعاف خلال عامين وبالتالي دخول مستنقع تضخم غير مسبوق منذ نحو اربعة عقود .
البنوك المركزية تقود سياسة الدول النقدية وتسخر ادواتها لخدمة توجهات نمو الاقتصاد الوطني وفقاً لمعطيات وواقع كل دولة بعينها وعلى رأسها اداة التحكم بسعر الفائدة لضبط ايقاع أسعار الصرف والتحكم في مستويات التضخم والتي يتبعها توجيه بوصلة الاقتصاد الكلي والرفاه الاجتماعي لتحقيق نتائج ايجابية او سلبية، اما في الحالة الاردنية ونحن ندرك ايجابيات ربط الدينار الأردني بسعر صرف ثابت بالدولار في الظروف الطبيعية وعلى يقين للفارق الكبير بين الاقتصاديين الاردني والامريكي من حيث القوة والحجم ومزيج التنوع ودرجة استجابة الاقتصاد لأدوات التحفيز وندرك بأن ذلك الربط يلزم صانع السياسية النقدية بأتخاذ اجراءات رفع تلقائي؛ وفي الآونة الأخيرة من العام 2022 انصاع البنك المركزي الاردني لقرارات مجلس الاحتياطي الفيدرالي ورفع سعر الفائدة مرتين الاولى بمعدل 25 نقطة والثانية 75 نقطة والثالثة على الابواب مع نهايات شهر 7 والتي يتوقع ان تكون بنحو 75 نقطة اضافية، وتشير كافة المؤشرات الى أن هنالك نحو 3 الى 4 رفعات قادمة حتى نهاية العام 2022 ونحن مدركين أن:
سعر الفائدة يرتبط بعلاقة طردية مع التضخم ورفعها يعمل على تقليل الاستهلاك والحد من معدل التضخم؛ ونحن في الاردن نعاني من تضخم مستورد خارج سيطرة السياسة النقدية.
رفع سعر الفائدة يؤثر في حجم السيولة النقدية في السوق ويؤدي الى امتصاص فوائض السيولة؛ ونحن في الاردن نعاني نقص السيولة وسؤ توزيعها بين طبقات المجتمع الى جانب ارتفاع نسبة البطالة وجيوب الفقر وتدني الاجور مقارنة بالمستوى المعيشي وبالتالي سيترتب على ذلك تبعات تزيد من تداعياتها وحدتها.
رفع الفائدة يزيد تكلفة إقراض الأموال للغايات التجارية والفردية ويُضَعِّف إقبال المشاريع الصغيرة والمتوسطة على الاقتراض لتمويل عملياتها مما يقلل الطلب على الائتمان والتسبب في خروج كثير من اصحاب الاعمال من السوق مما يؤدي الى بطئ نمو النشاط الاقتصادي وركوده ان لم يكن نمو سلبي؛ ونحن في الاصل نعاني الانكماش منذ سنوات طويلة.
أن رفع الفائدة في ظل تواضع العائد على الاستثمار يفتح شهية المستثمرين الى توجيه السيولة النقدية للادخار بدل الاستثمار وبالتالي اضعاف نهج تعزيز البيئة الاستثمارية وجذب الاستثمارات.
رفع الفائدة يزيد خطورة تحمل الخزينة لفوائد التمويل في ظل ارتفاع تكاليف الاقتراض وتنامي الاندفاع نحو تمويل العجز بالاقتراض الداخلي والاستمرار في نهج اضعاف القدرة الاقراضية للجهاز المصرفي.
أن رفع الفائدة وتأجيل اقساط المقترضين او ما تسمونه البالون بيمنت في ظل قصور البنك المركزي عن معالجة تبعات تسويتها بشكل مخالف للتعليمات والقيود المصرفية التي يستخدمها ماهو الادليل ضعف القرار النقدي وعدم المقدرة على ادارة الدفة.
أن رفع الفائدة في الحالة الاردنية جاء على أساس شمول كافة أدوات السياسة النقدية على الودائع وسعر الخصم وعلى الاحتياطيات وبالتالي فأن البنوك والمقرضين هم المستفيد الأكبر وعلى حساب الموازنة بالدرجة الاولى والفئات المقترضة الأخرى.
رغم التناقضات فأن من مصلحتنا المحافظة على ربط الدينار بالدولار والانصياع لقرارات الفدرالي برفع سعر الفائدة في ظل ادراكنا تواضع الموازنة العامة وصغير اقتصادنا وخدمية مكوناته والذي يعاني اساساً من ركود وتضخم مستورد ومتفقين جميعاً على حاجتنا لضبط هامش سعر الصرف ومصلحتنا في تحري جاذبية البيئة الاستثمارية ونحن بأمس الحاجة لكسر الجمود الاقتصادي وتنشيطه، وهنا يتبادر لذهني سؤال "هل واقع اقتصادنا الاردني يحتمل استيعاب وتحمل تبعات الرفعات المتتالية لسعر الفائدة؟”، وانني أرى بأن اقتصادنا لن يستوعب مايحدث ولن تكون لديه القدرة على تحمل تكلفة رفع سعر الفائدة وتبعاتها الوخيمة مالم نرى تحركات ابتكارية ومتناغمة للسياستين النقدية والمالية معاً لضبط التحديات واستثمار الفرص وفق معادلة متوازنة لخدمة الاقتصاد الأردني والآتيان بحل لجوهر ازمتنا والمتمثل بعجز الموازنة وتواضع النمو الاقتصادي والتي ستكون اساس للسيطرة على كافة مشكلاتنا في أستيعاب البطالة وضبط جماح الفقر وتعزيز موارد الخزينة والسيطرة على عجز الموازنة وغيرها.
ان الانصياع لقرار الفدرالي الامريكي يتطلب بُعد النظر وتحركات ابتكارية اساسها الايمان المطلق بأهمية معالجة السكون الاقتصادي بعيداً عن عقلية الجباية التي تسيطر على القرار المالي والعناية بجدوى أثر المضاعف على المدى البعيد واضعين نصب اعيننا ان التضخم لم يعّد ظاهرة بقدر ماهو سلاح دولي موجه بأرادة الاخرين وان العملة الرقمية والمشفرة اصبحت بمثابة حكم مؤكد ولابد من إصدار دينار رقمي ووضع أنموذج وضوابط مناسبة لحاجتنا من التعامل بها وان حرب الغذاء اصبح مصدر قوة للهيمنة ولابد من اعادة النظر بمصفوفة انتاج الغذاء وان هيكل اقتصادنا يقوم على الخدمات ولابد من اعادة توجيه القطاعات لبناء اقتصاد آمن وفق الاولويات والميزات التنافسية والانسجام مع الرهانات والتطلعات الدولية ومنها:
تعزيز الشراكة بين القطاعين على اساس أيجاد معادلة متوازنة تعود بالنفع على اطرافها (الخزينة والمستثمر والمواطن) بغض النظر عن الربحية والعائد المالي.
إنشاء صندوق تنموي لدعم الاقتصاد والتنمية الاقتصادية ودمج الصناديق المالية المتناثرة وتقديم برامج تمويل بأسعار فائدة تفضيلية للمشاريع التنموية.
تحليل التشابك بين القطاعات الصناعية المختلفة (المصفوفة الصناعية) وتشجيغ الصناعات الأمامية والخلفية لانتاج السلع الكمالية وإقامة سلاسل التصنيع والتي تُعنى بالتصنيع التكميلي لصناعة معينة ووقف استيرادها.
دعم مدروس لمراكز كلف المنتج الاردني ووضع استراتيجية لدعم للقطاعات الواعدة والاكثر استجابة واقل تكلفة الى جانب تبني أنموذج تصديري مرتبط بضبط جودة المنتج وخفض التكاليف.
توجية الاقتصاد للأبتكار وتبني حواضن المواهب التقنية والمعرفة بأعتبارها اكثر تأثير واسرع استجابة واقل تكلفة وذات قيم مضافة عالية خاصة مع تنامي الطلب على الدواء والغذاء والطاقة والمياه وتكنولوجيا المعرفة وبما يلزمها من بحوث وصناعات وحقوق ملكية لتنمية الصناعات الواعدة والتي تشهد ازدهاراً عالمياً لتحفيز ايجاد منتج تكنولوجي رقمي اردني.
رفع سوية التعليم وتجسير الفجوة بين مخرجات التعليم الجامعي والمهني لتهيئة جيل وقوى بشرية تنسجم مع متطلبات الاقتصاد الحديث.
املين من اصحاب العقول المتخصصة والحكيمة المبادرة لطرح افكار بناءة تستحق تبنيها للمساهمة في بناء خارطة طريق لإنعاش الاقتصاد الاردني واعادة توجيه البوصلة لمنهج اصلاح مستدام بعيداً عن الضبابية.