تبذل اللجنة الوزارية التي تم تكليفها مؤخرا لارتياد المناطق الصناعية والتنموية في مختلف أنحاء المملكة؛ جهدها في التعرف الى التحديات التي تواجه المستثمرين وتعيق تطورهم، وتسعى اللجنة إلى إيجاد حلول سريعة للتخفيف من ضغط الإجراءات البيروقراطية، أو من خلال إيجاد مقترحات لتعديل القوانين التي تعيق الأنشطة الاقتصادية فيها، غير أن المتابع يلحظ أن أدوات الفريق الوزاري الموكل بتلك المهمة؛ غير كافية وارتجالية إلى حد كبير، بحيث لن تحقق الهدف المنشود في حال بقيت على صورتها الحالية.
تبرز أهمية المناطق التنموية في كونها حواضن استثمارية تدفع باتجاه جذب الاستثمار وتوطينه في المناطق التي تعاني من مشكلات اقتصادية معمقة كالفقر والبطالة، وهي تسعى لخلق فرص العمل وتطوير العملية التنموية وتحسين فرص العيش للمواطنين، لذلك فهي لا ترمي إلى تحقيق الربح مباشرة؛ بقدر ما تهدف إلى النهوض بالمجتمعات الفقيرة وتمكينها، وهي تختلف عن القطاع الصناعي الحر القائم في المدن الكبرى، وهي تركز على معادلة محددة تتمثل بجذب الاستثمار وخلق فرص العمل وتصدير المنتج، وبذلك جاءت التوجيهات الملكية لتعزيز قدرة المناطق الفقيرة للحاق بركب التنمية المنشودة، ومن هنا استحقت تلك المناطق بعض الميزات التي تفصلها عن القطاع الخاص الكلاسيكي.
تواجه المناطق التنموية تحديات عديدة أبرزها، مساواتها في القطاعات الصناعية والتجارية التي تقع خارجها، وبذلك تموت ميزتها التنافسية ولا تعود قادرة على تحقيق الجذب والتنافسية، وحصل هذا بعد سلسلة من الاجراءات غير الصائبة من قبل الحكومات المتعاقبة التي توسعت في إنشاء تلك المناطق وسلبتها ميزاتها التنافسية، وبذلك لا يجد المستثمر أية ميزة تفصل المنطقة التنموية عن غيرها من المناطق، فيضطر الى الخروج باستثماره نحو المدن الكبرى، كما يبرز قانون الاستثمار كميعق رئيس لتطور الأنشطة الاقتصادية في المناطق التنموية، إذ تنخفض مستويات الحوافز والاعفاءات مع عدم وجود نافذة استثمارية متكاملة وضعف في الخدمات الالكترونية، وتضارب واضح في المرجعيات التي تمنح التراخيص، وانعدام وجود تصنيفات واضحة للمناطق تحدد طبيعة الأنشطة القائمة، أيضا طبيعة العلاقة المركزية ما بين تلك المناطق وهيئة الاستثمار تشكل عائقا كبيرا.
ثمة عوامل ذاتية داخل المناطق تشكل مخاطر تهدد بقاءها وهي، ضعف مجالس إداراتها فنيا واقتصاديا، إذ تدخل الواسطة والمحسوبية في تعيينات مجالس الإدارة وأعضائها، إلى جانب عدم وجود خبرات ذات علاقات دولية تجارية في الإدارة التنفيذية لشركات التطوير، وعدم وجود خرائط استثمارية واضحة لتلك المناطق، عدم وجود خبرات ميدانية تتابع مجريات الأمور، ارتفاع مستوى الهدر المالي في نفقات وحوافز مجالس الإدارة، والازدواجية في مواقع رئاسة مجالس الإدارة، وضعف الرقابة المالية والإدارية على أنشطتها وقراراتها.
إن المناطق التنموية تعاني من عدة أمور في تعاملها مع المجتمعات المحلية والموارد الطبيعية التي تسيطر عليها، فهي من جهة تستغل آلاف الدونمات من المجالات الحيوية للسكان المحليين، لكنها لا تعمل على إشراك تلك المجتمعات في العملية التنموية، عدم قدرتها على جذب الاستثمارات الدولية بسبب انخفاض مستوى الخبرة لدى إداراتها خصوصا في مجال العلاقات الاقتصادية الدولية، ولذلك فإن جهود اللجنة الوزارية ستبقى محدودة في ظل وجود تلك التحديات.