المشهد في القارة العجوز اليوم لا ينبئ بخير لهذه القارة التي اوجدت لها اتحاداً ووحدةً منذ العام 1992 بعد معاهدة ماسترخت ، وبعد ما يقارب 30 عاما نطالع صعود حكومة اليمين في ايطاليا ، بالتزامن مع سقوط حكومة المحافظين في بريطانيا ، فيما المظاهرات تجتاح مولدوفا ، برلين ، باريس ، بوخارست ،مدريد وغيرها من عواصم اوروبا ، وذلك بعد تراجع الحالة الاقتصادية وعجز الحكومات من معالجة الاختلالات في ملفات الاسعار وتوفير بدائل الطاقة التي كانت تسري في ارجاء القارة كالنار في الهشيم ، سريعة الانتشار مع عجز على احتوى الموقف الذي ارتبط بالمواقف السياسية التي اشرت لها في مقالة سابقة .
ان ترك الامر للشارع واتساع رقعة الاحتجاجات والبقاء في دائرة البحث عن حلول تقليدية سيقود اوروبا الى اتساع رقعة التضخم الاقتصادي في ظل الاستنزاف الذي تفرضه الحرب الاوكرانية – الروسية والتي تبدو كانها في نفق لا نهاية قريبة له، والشتاء الذي اصبح على الابواب سيجعل بحث الاوروبيين عن الدفء يبدأ من خلال الضغط على حكوماتهم بضرورة التحرر من التبعية السياسية والاقتصادية لامريكيا او لوحدة اوروبا التي لم تنجح في خلق واقع مغاير ذلك ان المصالح أولاً وعاشراً هو ما يجب ان تفكر به هذه الحكومات .
الفكرة بضرروة التحرر من التبعية والانسياق وراء السياسة الامريكية بدأت تطفو على السطح خصوصا وان واشنطن لم تحرك ساكنا سواء تقديم دعم الاسلحة التي لم تستطع الحفاظ على وحدة الاراضي الاوكرانية التي ضمتها روسيا ، وبدء سماع اصوات تمرد تخرج من ألمانيا بالحديث الصريح عن أن أوروبا ليست ملزمة بالدفاع عن أوكرانيا بأي ثمن، دون إنهاء الالتزام بمساندتها وليس بالدفاع عنها، وتصريح فرنسا إن روسيا هي جزء من الحيّز الأوروبي، وهي دولة عظمى وتستحيل هزيمتها .
توسع العمليات العسكرية الروسية واستمرار الازمات الاقتصادية يعلن صراحة ان الشارع الاوروبي الى فرض واقع مختلف لما هو عليه قبل الحرب ، وسيحدث استدارة من الغرب الى الشرق الاوروبي لحفظ سلامة اراضيه ، وتوفير امن الغذاء والطاقة، وهذه الاستدارة ستجعل الانقسام واقعا في الاتحاد الاوروبي وحلف الناتو ، وهو ما يعني خريطة اوروبية بل وعالمية جديدة ، والايام ستكون الشاهد على سيناريو التفكك لصالح المصالح الوطنية لكل دولة من دول الاتحاد الاوروبي .