2024-11-25 - الإثنين
00:00:00

آراء و مقالات

المرافي ومصروفهُ الجامعي ....!

{clean_title}
صوت عمان :  


الكاتب: يوسف المرافي

يقولون أن التدبيرَ نِصْفُ العيشِ ، والتَّوَدُّدَ نِصْفُ العقلِ ، والهَمَّ نِصْفُ الهَرَمِ .
أيها الأبناء، الذين قبلوا في الدراسة في الجامعات، ارحموا الآباء والأمهات ، لا تحملوهم فوق طاقتهم ،  لم أشعر بمسؤولية الآباء والأمهات إلا بعدما تزوجت وأصبح لدي من الأبناء، رغم صغرهم مع ذلك أشعر كم يعاني الآباء والأمهات من أجل توفير مصروف ولباس لابنه و لابنته في الجامعة ، مع أنني من فئة الشباب إلا أن معظم زملائي هم من كبار السن تجدهم يبكون و يتوجعون بألم وحسرة ؛ لأن الأبناء في الغالب العام يشترون ملابس  غالية الثمن  لكي يتباهون  فيه أمام زملائهم، وتجد البعض يشتري أغلى الوجبات عندما يكون في الجامعة على السواء  الابن أو البنت ولا يشعرون مع والديهم؛ فمثلا الابن الذي يعتبر أن  الجامعة هي لصرف النقود على الطعام و الملابس .

عندما كنت أدرس في الجامعة كان مصروفي الأسبوعي خمسة دنانير  ، و كنت في بداية كل يوم أحد أجمع مقدار دينارين من كل زميل في السكن على شكل جمعية مصغرة، وأقوم بشراء صندوق (بكسة) بندورة و بطاطا وشوال بصل و سكر و شاي وأدخر مقدار دينار ونصف إلى منتصف الأسبوع لكي أشتري فيها دجاجة في ذلك الوقت وأطبخ لزملائي في السكن مقلوبة أو مكمورة .

 كنا لا نكلف والدينا ، كنت أشعر مع والدتي التي تكفلت بدراستي الجامعية بمصروفٍ مقداره ( ٥ ) دنانير رغم أنني أبقى أسبوعًا كاملاً في الجامعة لا أغادرها إلا مساء الخميس من كل أسبوع إلى  أهلي، فعلى سبيل المثال كان زملائي في شهر رمضان المبارك يقرعون الباب على محاضرتي المتأخرة التي كانت تسبق آذان المغرب بساعة ، لكي أطبخ لهم ، عندها تسألهم الدكتورة التي كانت تدرس ذلك المساق عن حاجتهم لي ؛ فيقولون:" لكي يطبخ لنا فالوقت متأخر حيث  لم يبق الكثير عن  حلول آذان المغرب ( الإفطار ) ؛  فقد كنا لا نأكل في المطاعم بسبب ضيق الحال ، عندها تقوم الدكتورة بالتصفيق وإلقاء عبارات الإعجاب كيف لطلبة في الجامعة يعملون فطرتهم في رمضان في السكن ، فقلت لها  إنّ ما نقوم به من تناول الطعام ليس في رمضان فقط  إنما في كل الأوقات على مدار سنوات دراستنا الجامعية ، فلم يسبق لنا أن  تناولنا الغداء في مطعم أو كفتيريا أو ما شابه ذلك ، ومع ذلك أصبح زملائي بعدما تخرجوا من الجامعة يشار لهم في البنان  ، وأصبحوا متميزين في عملهم رغم أن البعض منهم في دراسته الجامعية وأنا واحد منهم لم يكن معه نهاية الأسبوع أجرة الحافلة ، فيقوم بدفعها في الأسبوع الذي يليه ، هذا هو حالنا يا شباب  ، لا أخجل من سرد تلك الحياة التي عشناها، عندما أكون في إحدى الجلسات مع أصحابي كانوا ينبهونني لعدم الحديث أمام والديهم عن مصروفي الأسبوعي عندما كنت أدرس في الجامعة ، وكان السبب أن والديهم  إذا علموا بمصروفي سوف يتأخذني مثالا لأبنائهم ، في حين أن طلابا آخرين  يتجاوز مصروفهم ( ٢٥) دينارا في ذلك الوقت ، بينما كاتب هذا المقال كان  مصروفه( ٥ ) دنانير شاملة لأجرة الحافلة ذهابا  وإيابا من السكن إلى الجامعة وبالعكس،  وهذا مما يثير الغرابة والدهشة عند الجيل الحالي الذي مصروفه في الأسبوع في هذا الوقت يتخطى (١٠٠) دينار ، ناهيك عن الملابس والخلويات وقل ما شئت من المظاهر ما أنزل الله بها من سلطان .فكيف بالله عليكم إذا علمتم ياسادة يا كرام  أنني في الأيام التي نفتقر فيها للطعام في الجامعة أقوم بدق الخبز الناشف في السكن و أضع عليه الشاي وملعقة من السمن البلدي كانت والدتي تجمعه من ثلاثة من الماعز  التي تهتم بتربيتهن لكي يصرفن عليَّ في الجامعة من حليبهن ولبنهن ، وأقوم بتقديمه لزملائي،  الذين يعجبون بلذتها و حلاوتها وعندما يسألونني عن المكونات أخفي عنهم وأقول أنها كنافة بلدية دأبت والدتي على عملها .

وأخيرا ، أيها الإخوة والأخوات طلبة العلم ، لا أطلب منكم أن  تعيشوا  على خمسة دنانير ، بل نريد منكم التخطيط والتنظيم وإعداد موازنة أسبوعية ترأف بالوالدين والاعتماد على الطبخ  اليدوي في السكن بمشاركة جماعية والتعاون بينكم في المصروف، ومراعاة ظروف بعضكم في الدراسة والخدمة في السكن ، لأنها تعتبر البداية ما بعد الجامعة في اكتساب الخبرة وتكوين الأسرة فيما بعد  .