بعيدا عن نظرية داروين للتطور البشري، فتعريف مصطلح الحلقة المفقودة في معجم المعاني «عامل أو سبب يؤدي اختفاؤه إلى تعقيد أمر ما أو التباسه» تماما مثلما هو سائد في تحليل واقع الاقتصاد الدولي ومستقبل العالم الذي تتطور فيه الأحداث والتطورات بسرعة فائقة، تجعل معظم التقارير الصادرة عن الهيئات الدولية ذات العلاقة متناقضة ومرتبكة!
حتى صندوق النقد الدولي الذي توقع في تقريره الشهر الماضي تراجعا كبيرا للاقتصاد العالمي بسبب تبعات الحرب في أوكرانيا لم يتجاوز « الحلقة المفقودة « حين حذر من أن الطبقات المتعددة من المشاكل تجعل التوقعات عرضة للتغير السريع والحاد في المستقبل، وذلك حتى دون الأخذ في الاعتبار ظهور متحورات لكورونا وفرض إجراءات الإغلاق، الأمر الذي يستمر معه ارتفاع معدل البطالة، فضلا عن هبوط معدلات النمو، وارتفاع معدلات التضخم، وما يترتب على تلك الظواهر من مشكلات لا حصر لها، ومنها إمدادات السلع الرئيسية من الطعام والطاقة!
تبدو التوقعات مقلقة بالنسبة للدول الغنية والناشئة والفقيرة على حد سواء، ومرة أخرى فإن عدم وضوح الرؤية، لا عن عجز في قراءة الأرقام والمؤشرات وإنما عن غياب القدرة على توقع منحى الصراعات والأزمات القائمة حاليا في أوروبا، وفي بحر الصين، وغيرها من مناطق التماس حيث منابع النفط والغاز، والممرات المائية ، والخطوط البحرية، إلى جانب نشوء حالة الإنكفاء الذاتي لدى العديد من الدول التي لا تترد في الإعلان عن نيتها خفض صادراتها من المواد الأساسية تحسبا من أزمة الغذاء، تماما كما أعلنت الهند بالنسبة لمادة السكر التي تعتبر ثاني أكبر مصدر لها عالميا !
ما الذي نتوقعه بالنسبة لنا في الأردن، وأين تكمن الحلقة المفقودة التي إن وجدناها وجدنا معها ضالتنا للخروج من الدائرة المغلقة التي ما زلنا ندور فيها حول أنفسنا ونحن نعلن بكل وضوح وثقة بالنفس عن الحلول المثالية التي تخرجنا من هذه الأزمة المعقدة، وتمنحنا القدرة على التعامل مع المجهول الذي تخشاه الدول جميعها، في غياب القدرة على تحويلها إلى خطط تنفيذية على الأرض؟!
هناك من بين مسارات عديدة فرصتان أو أكثر في متناول اليد بغض النظر عن صعوبة الوضع وتعقيداته، أولاهما تحطيم كل العقبات التي أعاقت وما تزال تعيق الاستثمارات المحلية والأجنبية، وأنا أقصد هنا كلمة «تحطيم» فتلك الأصنام قد أضرت باقتصادنا حدا لا يمكن السكوت عنه إذا أردنا بالفعل أن نغير الواقع، بل الوقائع التي يعرفها الجميع حق المعرفة، وثانيهما الدفع بكل ما نملك من عزيمة وإمكانات للتعاون المشترك مع عدد من الدول الشقيقة، في مجالات الاستثمارات الصناعية والزراعية، وخاصة تلك التي تعطينا الفرصة لاستغلال مواردنا الطبيعية، بما فيها المياه العميقة، والطاقة، وغيرها، وللحديث بقية.