مما لا شك فيه بأن التوّاقين للتحدث إليكم سيدي كثر هذه الأيام، ولعلك تجد في طيات هذه الرسالة لسان حال بعضهم، على الأقل. ما يدفعنا لكسر الحواجز والتوجه إليك مباشرة هو مزيج من الخوف على حال الوطن والأمل بمقدرتكم على تجاوز الصعاب وتذليل العقبات، وسأسمح لنفسي هنا أن أخفف ما أمكن من عبارات التبجيل التي يستوجبها موقعكم ومكانتكم السامية في نفوسنا، لكي أكون أقرب إليكم وتكون كلماتي من القلب الى القلب.
ولئن كنا نعلم جميعاً طريقنا في السياسة الخارجية، ونتفق معكم سيدي حوله ونسلم لك بالقيادة فيه وبالأمس القريب سجل التاريخ بتفويض رسمي من العالم اجمع لجلالتكم بأنكم والهاشميين أشرف وأنبل من يحمي القدس والمقدسات، فالسؤال الذي يطرحه الكثيرون هو: إلى متى يمنعنا الخوف على وحدة بلدنا من السير علناً بهذا الاتجاه فيما يتعلق بالداخل أيضاً؟ وما الذي يمنع هذا السير من أن يكون مدروساً ومنظماً ويأخذ بعين الاعتبار أفضل ما توصلت إليه أنظمة الحكم في العالم؟ وعلام نقيد أنفسنا بأصفاد الحفاظ على التوازنات، بانتظار عاصفة لا تبقي ولا تذر يمسك بزمامها أرباب الفتنة والكراسي البائدة وعصور الجاهلية؟ وإن لم يُؤمّنّا من نحترم ونحب ونثق به وبقدراته، وهو في أوج شعبيته داخلاً وقمة نفوذه خارجاً، فمن ذا الذي يفعل؟ لا شيء يدمي الفؤاد، مولاي، أكثر من أن يرى المرء أهله ينزلقون إلى مهالك عدة فيما يقف هو عاجزاً عن فعل شيئ، ويتربص بهم أكثر من طامع وشامت.
وإني إذ وجدتني مندفعاً لكتابة هذه الرسالة لك في العلن، بعد أن سمعنا في الأيام القليلة الماضية مطالب علنية غريبة أبعد ما تكون عن تحقيق توافق شعبي، فإنما أكتب إليك كمساهمة خجولة مني في الجهد القائم لبناء هكذا توافق وسطي فيما بيننا نحن الناس أولاً، وحولك ثانياً، تجاه ما ينبغي فعله وأولويات التحرك، لا لأني أود الإضافة لأفكار ما ظننتها تغيب عمن هو مثل جلالتكم.
إن لم نلعق جرحنا سريعاً، فأي جرح جديد قد يؤدي لإفقادنا التوازن، وسيغري من يترصد ضعفنا بالتحرك أكثر وأعمق. نعلم جميعاً أن بيننا من ينفذ أوامر وخططاً تأتيه من الخارج، ولكننا نعلم أيضاً أنهم قلة وأننا كثر. ولعلهم، إن لم نعمل معاً ونتعاون سوية على تمييز الغث من السمين، سيزيدون ويتكاثرون..!
لقد علمتني الحياة في المغترب أن الناس يمكن أن ترسم بشكل أو بآخر سقفاً للاختلاف ويتفقون على عدم تجاوزه. لن أتمنى عليك يا مولاي لا إقالة الحكومة ولا مكافحة الفساد ولا تعديل الدستور، ولا أي أمر بعينه مهما اجتمع الناس على ضرورته أو تفرقوا؛ لكنني أرغب، كما غيري، أن نرى الأمور تحل جملة لا تفصيلاً، وضمن سياق ما يكون معروف البداية والنهاية، لا اعتباطاً. لكن أتمنى عليك بالمقابل، باسم كل من يوافقني الرأي، أمرين اثنين؛ أولهما أنك أنت قائد هذا البلد، الذي نثق به ونؤمن بقدراته ونحبه، فلا تدع غيرك يخطف المبادأة لئلا نفشل وتذهب ريحنا؛ وثانيهما ألا تدع من حولك يشعرون بضرورة استعجال الحلول، لئلا نقع في مشاكل يمكن تجنبها، في المدى المنظور. اسمح لي يا مولاي أن أنبئك أن الأمة التي تقبع مكانها هي التي تضطر لشغل نفسها بالتوازنات، وأما تلك التي تسير للأمام فعزم اندفاعها نحوه يغنيها عن ذلك. والفرق بين أن تقود أنت هكذا جهد وأن يفرضه الشارع هو سنوات من القلق والخوف، ونحن كلنا أمل في أن تقود قافلتنا، كما خبرناك في السنوات القليلة الماضية، خارج رياح الخماسين هذه بأقل الخسائر.
اعتقد ان وجود نفس الطبقة التنفيذية في كافة الوزارات ولعبة الكراسي الدوارة بين الحكومة والنواب والأعيان هو إهدار لأي فرصة أو امل في النهوض. الفرصة الاستثمارية الذهبية الأكيدة و الوحيدة تكمن في تجريف هذه الطبقة الفاشلة نهائيا، والإتيان بطبقة وجيل ودم جديد ومقوماتها العلم ثم الخبرة ثم القدرة، ثم الحضور.
كلنا نريد القضاء على الفساد وإذا كنا نرغب في القضاء على الفساد في مجتمع ما فإن الطريقة الأكثر فعالية للقيام بذلك هي عدم معاقبة منْ هم في القاع ولكن أن نعاقب منْ هم في الأعلى .الوعي اصبح يهاجم الأردنيين والمشهد في تطور، ليس الأمر خبزاً ولا اقتصاداً، بل كرامة أولاً وانعدام أمل ثانياً، وطموح وتطلعات آخراً.
لست متشائماً ولا يائساً، ونظرتي تفاؤلية دائماً بفضل الله، ولكن وبنظرة الى مسؤولي الوطن والقامات والزعامات من فوق الى تحت هل من يدلني منْ فعلاً يشعر بوجع الناس وهمومهم..؟
منْ يحمل مشروعاً إنقاذياً أو إصلاحيًاً..؟
غدا ستكتشفون أن التخطيط لاقتصاد أخضر خطوة متقدّمة باتجاه تنمية مستدامة.. لا يصنعها إلا شعب يتماهى مع سياسات حكومية تشاركيّة تتبنّاها حكومات وشخصيات وطنية وازنة موضع ثقة وحضور.
آن أوان لإقالة هذه الحكومة يا مولاي قبل الوقوع في مزيد من المشاكل والمطبات ويدفع الجميع ثمن ذلك، وآن الأوان للمجيء بحكومة نهج إقتصادي وسياسي جديد وبما يحفظ الاستقرار السياسي والاجتماعي في الوطن وذلك قبل وقوع كارثة فقدان الوطن لمناعتة الاقتصادية بنهج الحكومة الحالي لا سمح الله..!
إن كل من تطاول على الدستور والقانون واستباحوا المال العام واوصلونا إلى حالة الإفلاس والوضع الدقيق الذي تشير اليه بكل خطاب للعرش في مجلس الأمة أو في اللقاءات على مدار العام بعضهم كانوا يحضرون معك يا صاحب التاج تحت سقف واحد، فقد احاطوك من الامام والخلف والميمنة والميسره ومن على الشرفات واللافت انهم كانوا الأكثر تصفيقا حينما كنت تشير إلى الفساد واجتثاثه من جذوره... وسوف اقتبس من كلامك الموجه للحكومات يا مولاي : المواطن تعب من الكلام والشعارات ويريد أن يتأكد أن حقوقه محفوظة، ويريد كذلك محاسبة ومعاقبة الفاسد والمهمل وأن علاقة المواطن بمؤسسات الدولة قائمة على مبدأ العدالة وتكافؤ الفرص.
"لا أحد فوق القانون ولا حصانة لأي أحد" انتهى الاقتباس.
يا صاحب التاج مهمتنا أن نقنع الشباب بأهمية المشاركة في الحياة السياسية الجادة والشاملة والمسؤولة ليدركوا أنهم شركاء برسم معالم المرحلة القادمة والتأكيد على قيم المشاركة والنزاهة والشفافية والحرية المسؤولة للحياة الحزبية والسياسية لينعكس ايجابيا على الشباب ويزيد من مشاركتهم حتى لا يشعر الشباب بالخيبة أو الصدمة. وبنفس الوقت الشباب أداة التغيير الايجابي وهم من يرسمون المستقبل . لذا فإن مشاركتهم في عملية صنع القرار تعتبر الخطوة الأولى للانتقال إلى مرحلة سياسية جديدة واعدة ومبشّرة.
مولاي المعظم لدينا جيل من الشباب قلق على المستقبل مستريب منه، ويريد الأنخراط في العمل السياسي. ويستحق هذا الجيل أن نوفر له بيئة نظيفة حاضنة له لا أن ندمجه في مناخات سياسية مأزومة ونقحمه في معارك لا يوجد فيها أي رابح، الكل فيها خاسرون. يتطلع الأردنيون الى أفق سياسي ما دام الظرف الإقتصادي يحتاج وقتاً أطول... فإذا أرادت السلطتان التشريعية والتنفيذية ترجمة رؤاك يا صاحب التاج بتجويد التشريعات الناظمة للحياة السياسية وإنتاج جديد حقاً، وجب عليها أن تفتح أبواب الحوار لجميع الأطراف وتشتبك معها في سبيل الإستفادة من الأفكار والتطلعات وأهم من ذلك كله تشخيص المشكلات التي تواجه التنمية السياسية وإيجاد العلاج لها. هذا الوطن يمتلك أعداداً ضخمة من الحالمين، المؤمنين بأنهم قادرون، وبأن الوطن يتسع لأحلامهم ويستحق قدراتهم، ونتحدث هنا عن القاعدة الأوسع وهي القطاع الشبابي على وجه الخصوص، الذي أصابه الملل من المنهجيات المستهلكة والخطابات النخبوية ولا يجد من يفهم رسالته ورؤاه سوى رأس الهرم، ويأمل بحياة سياسية حقيقية لا شكلية، فتلك الطاقات المتقدة عطشى للتغيير المنشود، تنتظره على أحر من الجمر وتسعدها إشارة الانطلاق. حتى لا تضيع الجهود سدى، لا بد لهذا الحوار الوطني أن يكون شاملاً ما أمكن، مرناً قدر المستطاع، بحيث لا يغيب عن طاولته طرف من الأطراف، كما أنه يحتاج سعة في الوقت والصدور، والأهم؛ أن تقوده أدمغة حداثية. مولاي المعظم فالتوجيه الملكي ليس الأول، ولن يكون الأخير في سبيل التجويد والتطوير، لكن هذا التوجيه جاء في توقيت حساس متلمساً حاجة ملحة وأزمة في الساحة السياسية كتبنا عنها الكثير سابقاً. لا نريد أبداً أن يكتفى برأي مجالس سواء كانت دستورية أو حزبية أو نخبوية، بل هذا حوار وطن يستدعي إطلاق المنصات لإستقبال الآراء والإشتباك مع روادها واقعياً وإفتراضياً، وتغيراً في الإستراتيجيات ووسائل التعاطي وربما بعض الوجوه.
إن نجاح هذا الحوار أفقي لا عمودي، فإذا أُخذ على سعته وترجم فكر الأغلبية الصامتة إلى واقع تشريعي وسياسي سيكون التغيير حتمياً، وقد يغير المشهد الحزبي والنخبوي بالكامل ليعبر عن ضمير وصوت المواطنين بحق ويحاكي فكرها بحقيقة.
يا صاحب التاج لدينا اليوم فرصة ستجد الكثير من العقبات، فكثير من أهل السياسة لا يريدون لها لاعبين جدداً، وبعض الحزبيين مكتفون بما هو موجود، والسواد الأعظم من النواب مرتاح لما هو متوفر، وهذا ما يستدعي من الدولة أن تفتح الأبواب للأصوات المحجوبة لكي تعبر عن ذاتها ومستقبلها وأن يكون لمخرجات الحوار معها وجه إلزامي ينعكس على القوانين المزمع تحديثها...
لم يعد للانشاء معنى ومضموناً ما لم يتوازى مع تطبيق على أرض الواقع!!.
فبالله عليك يا مولاي قدنا إلى المستقبل الآمن الزاهر، وخلّصنا من أن يقودنا القلق والخوف...!
ابنكم الغيور المحب فيصل اسامة "محمد صالح" النجداوي..