في الوقت الذي تدخل الحرب الروسية على جمهورية أوكرانيا أسبوعها الثاني، ينشغل العالم الغربي خصوصاً وبقية العالم فيما يتعلق بمستقبل الاقتصاد الكلي والخشية من مواجهة شبح الجوع نتيجة توقف سلاسل الإمداد، وارتفاع أسعار الطاقة خصوصاً الغاز الذي يمر عبر أوكرانيا نحو أوروبا وارتفاع أسعار النفط لمقاييس غير مسبوقة في ظل الحرب التي ستغير حتماً تركيبة العالم الغربي، والعالم العربي بالطبع سيناله قبس من نيرانها، فضلاً عن تحديات أزمة اللجوء وتحديات الأزمة الإنسانية، وفي المقابل ينشغل بعض العرب على هامش حرب أوكرانيا باجتزاء?القضية على النساء الأوكرانيات، وتعج وسائط التواصل الاجتماعي بتناقل صور نساء يوصفن بجمالهن، وأخريات باللباس العسكري، وآخرون يتمنون بناء مخيمات لجوء لهن في بلادنا.
من أسخف ما قد رأينا عبر أسبوعي الحرب الروسية، فضلاً عن فرار مليون ونصف المليون من النساء والأطفال نحو دول أوروبا الشرقية التي تعاملت بشوق للاجئين ومارست عنصريتها ضد الجنسيات غير الأوروبية ومنهم العرب والآسيويون، هو مقطع فيديو يرصد تصوير قناة محلية لعودة طلابنا إلى بلدهم، وتم التركيز المقتطع من التغطية الأشمل على فتاة أوكرانية بدت أنها زوجة أحد الطلبة، والأصل فيها أنها اليوم واحدة من بناتنا، حيث قام محترفو التسلية والعابثون بالمشاعر باجتزاء المقطع وتركيب أغنية لمطرب محلي أيضاً للتغني بجمالها، وهذا لم يكن يو?اً من أخلاقنا ولا شرفنا! بعيداً عن حرب النساء الجميلات وبشاعة القادة المتعطشين للسيطرة، يروي لنا التاريخ العربي أروع الأمثلة في تحييد النساء عن استهدافهن للأعداء، ويمنع الدين الإسلامي بوصية من الرسول الأعظم محمد بن عبدالله لجيوشه أي فعل قتالي قد يقع على النساء والشيوخ والأطفال وصوامع التعبد والزروع والأشجار والمسالمين، وأن لا يعتدوا إلا على من اعتدى عليهم، وهذه السُنّة جاءت لكرامة النساء وإكرام الشيوخ والعطف على الأطفال وحماية أرزاق الناس، وهذا التكريم جاء استمرارا لتكريم المرأة عند العرب قبل البعثة، واستمرت تلك المروءة حتى غرقنا ?ي مستنقع الإرادة الغربية بما أسموها تحرير النساء من قيودهن، ونحن نرى كيف سلّع الغرب النساء كسلعة لا كقيمة.
النساء في أوروبا لعبن دوراً عظيماً في بناء أو المساعدة على بناء دولهن ومدنهن بعد الحرب العالمية الثانية، ففي المانيا بعد استسلام «الرايخ» شاركت مئات آلاف النساء في عمليات إعادة البناء عقب انتهاء الحرب التي دمرت ملايين المنازل والمنشآت، وانضمت نساء المانيا فيما سمي بـ «نساء الأنقاض» حيث ساعدن في جمع أنقاض المباني بمعدل 400 مليون متر مكعب حسب الإحصاءات، وافتتحن المدارس البيتية لتدريس الطلبة، وقبل ذلك لم يكن يسمح لهن بالدخول إلى السلك العسكري والوظائف المدنية، بل كانت الأوامر واضحة لدورهن وهي أن تكون الزوجة ا?مثالية لإدارة منزلها وتعليم أطفالها والعمل في سلك التدريس.
أما قصتنا مع نساء أوكرانيا فهي مغايرة، إذ أن نسبة النساء المقاتلات في الجيش الأوكراني في مختلف القطاعات العسكرية تقارب 22 بالمئة من مجموع الجيش الأوكراني بتعداد بلغ 57 الفاً من المجندات حسب تقرير لشبكة «سي ان ان»، ومن المؤكد اليوم أنهن يقفن صفاً واحداً ضمن قوات الدفاع عن بلدهن، ومن المؤكد أيضاً أن هناك الآلاف منهن يشاركن مع قوات المقاومة في حرب المدن، دون الحاجة إلى وضع مستحضرات التجميل ولا استخدام البوتكس لنفخ شفاههن، ولا الغنج أمام الغزاة، ولا المطالبة بحقوق متساوية ليس لها معيار سوى أننا فعلناها بل إن ا?هم الأكبر هو كيف يقاومن الغزو وينتصرن على القادم العنيف ويشاركن في التحرير.
على البعض أن يكفوا عن استخدام تلك الوسائل الهابطة في استعراض أوجه الاختلاف بين أقوام حباهم الله بالجَمال، يقابلهم أقوام كالجِمال يصبرون على ما رزقوا، وكما قال المثل الشعبي «كل قرد بعين أمه غزال»، ولنرتقي بذائقتنا الأدبية.