مرت بنا كلنا، حالاتُ نكران جميلٍ وصنيعٍ، انطبق عليها تحذيرُ الأوّلين، البالغُ الدقة في معرفة أخلاق الناس وطبائعهم، وهو «اتقِ شرّ من أحسنت إليه»، ومرت بكم حالاتُ نكرانٍ، من أصحابٍ وإخوان، لم يجدوا منكم، إلا الإحسان.
ويقتضي الإنصاف ألا نأخذ حالات النكران، فنقيس عليها. فلا يجب أن ننسى أن الإنسان منا، مرت عليه حالاتٌ لا تحصى، من العون والدعم والمساندة، هي الأصل والأساس بين الناس.
وكي لا يتمّ التعميمُ الظالم، الذي يحدّ من المعروف الواجب بين الناس، فقد حدد الإمام السخاوي، في «المقاصد الحسنة»، الفئةَ الساقطة، التي يجدر أن لا نُحسِن اليها، وأن نتقي شرَّها وغدرَها، وهي فئة اللئام حين قال: «اتقِ شرّ من أحسنت إليه، من اللئام».
أنا شخصيا واجهت حالات لؤمٍ غريبةً كثيرةً، لم تكن حالات نكران جميلٍ فقط، بل كانت مرفوقة بهجوم غير مبرر، مفاجئ، مُقذع مليء بالكذب الافتراء والدس، ولا حاجة إلى القول، إنها حالاتٌ أثارت عندي السخرية، ودفعتني إلى المزيد من شكر الله، الذي دفع اللئيم الزنيم، إلى الكشف المجاني (وغير المجاني !) عن بؤسِ خُلقه و كثافة لؤمه.
و مهما بذل اللئيم وحاول، أن يُغلّب التطبعَ على الطبع، فإنه سينكشف.
يقول الشاعر الحكيم الحليم، زهير بن أبي سلمى:
وَمَهما تَكُن عِندَ اِمرِئٍ مِن خَليقَةٍ،
وَإِنْ خَالَها تَخفى عَلى الناسِ، تُعلَمِ.
ولا أقول ان اللئام يشترون خصومةَ الكرام، «فشر»، فهم دونٌ، ليسوا في مستوى الخصومة، بل أقول إن اللئام استحقوا بجدارة، هي جدارتهم الوحيدة، ازدراءنا التام.
وتعرفون حكاية الضابط التركي الذي اختار أحدَ «السَّقَطِ» فانتشله من الوحل والقاع، وجعله سائسا للخيل، لتصبح له كلمة عند سيّده الباشا، دفعت الوجهاء قبل البسطاء، إلى طلب توسطه ورضاه، ولما هبّ أحرارُ العرب، ثائرين على الظلم التركي الطوراني، وازاحوا الكرباج الطوراني عن ظهورهم وارواحهم، أمسك السائسُ الساقطُ، جامعُ روثَ الخيل والبغال، كرباجَ الباشا، وأخذ يضربه به ضربا مبرحا، والباشا يصرخ ويتحسر ويقول: «اضرب يا نقا عيني، اضرب يا نقا عيني» !!