84303--
كتب عبدالرحمن خلدون شديفات
"الدولة الوحيدة التي أخفقت إسرائيل في اختراقها اجتماعيًا هي الأردن، وهذا لغز ندرسهبعناية!”
هكذا اعترف المؤرخ الإسرائيلي آفي شلايم قبل 18 عامًا في كتابه الجدار الحديدي، واضعًا يده على أكثر ما يقلق المؤسسة الأمنية الإسرائيلية حتى اليوم: أن يظل الأردن خارج دائرة النفوذ الناعم والخشن.
هذا الاعتراف ليس مجرد سطر في كتاب أكاديمي، بل وثيقة تاريخية تكشف هشاشة المشروع الصهيوني أمام صلابة الأردن: دولةً، ونظامًا، وشعبًا، وهويةً راسخة لم تتمكن ماكينة الاختراق الثقافي والسياسي والإعلامي من تفتيتها.
الحد الفاصل الذي لا يمكن تجاوزه
يدرك صانع القرار الإسرائيلي أن مشروع الضم لا تكتمل أركانه دون تصفية الذاكرة الأردنية والفلسطينية معًا، وتحويل الأردن إلى ممر خاضع وليس حاجزًا منيعًا. لكن ما جرى – ويجري – أن كل محاولات التسلل نُسفت أمام جدار الوعي الشعبي، وأمام دولة بقيت – رغم كل التحديات – عصيّة على السقوط في مستنقع الاختراق.
حتى تقرير مجلس الأمن، الذي كشفت صحيفة هآرتس جزءًا منه، أقرّ بحقيقة صادمة: "الأردنأخطر عائق أمام مشروع الضم… لديهم القدرة على تحريك الشارع العربي كله ضدنا.”
وهنا يكمن سرّ هذا البلد الذي يعرف متى وكيف يُشعل فتيل التغيير إذا بلغ الخطر حدود الوجود والكرامة.
لماذا الأردن تحديدًا؟
لأن من يقود المشهد في الأردن ليس نظامًا سياسيًا فقط، بل شعب يمتلك ذاكرة نضالية ضاربة في الجذور، وكيان عشائري واجتماعي يصعب شراؤه أو اختراقه أو تفكيكه.
ولأن الجغرافيا التي تبدو للبعض معبرًا بريًا، تتحول بوعي الأردنيين إلى ساحة صلبة تكسر أي مشروع يتوهم أن شرق النهر يمكن بيعه في صفقات الخرائط السرية.
الرسالة: ليست صدفة ولا عبثًا
الذين يتوهمون أن الأردن "ضعيف” لأن اقتصاده يئن، يتجاهلون أن هذه الدولة التي ولدت من رحم الصراعات وبقيت حية رغم كل محاولات الحصار، تختزن في ذاكرتها قدرة استثنائية على قلب الطاولة متى ما استُهدفت الهوية.
والذين يراهنون على شق الصف الأردني، ينسون أن الأردنيين – حين تشتد الأزمات – يغلقون الأبواب على اختلافاتهم، ويفتحونها فقط نحو عدو واحد: كل مشروع تهويد أو ضم أو طمس.
الأردن لا تعرف التراجع
سيظل الأردن لغزًا… لا لأن إسرائيل لم تفهمه بعد، بل لأنها تعرفه جيدًا وتخشى ما يعرفه عن نفسه هذه حقيقة يعرفها العدو قبل الصديق. والرهان على زوال هذا اللغز هو أوهى من خيوط العنكبوت.