لم يكن الجنوب السوري يوماً بعيداً عن عين الدولة الأردنية، لا جغرافياً ولا أمنياً. فمنذ اندلاع الأزمة السورية قبل أكثر من عقد، ظلّ الأردن ينظر إلى تلك الرقعة الحدودية كخاصرة أمنية حساسة، لا تحتمل الفراغ ولا المغامرات غير المحسوبة.
الأمر لا يتوقف عند حدود التهريب الذي بات ظاهرة منظمة ومدعومة بشبكات عابرة للحدود، بل يتجاوز ذلك إلى ما هو أبعد وأخطر. فالجنوب السوري، بتعقيداته العشائرية والجغرافية وتشابك اللاعبين الدوليين فيه، ظلّ هدفاً لمحاولات أطراف عديدة تبحث عن موطئ قدم لها هناك، وفي مقدمتها إسرائيل، التي تسعى لتعزيز حضورها الأمني والاستخباراتي على بعد خطوات من الحدود الأردنية.
يدرك الأردن أن أمنه لا ينفصل عن استقرار محيطه، ولذلك ظلّ ثابتاً على موقفه بعدم الانجرار إلى أي خطوة من شأنها أن تُكرّس واقعاً مقطّع الأوصال في سوريا، أو تُقوّي نزعات الانفصال في مناطق بعينها خارجة عن سلطة الدولة السورية. فعمّان، رغم ضغوط الجغرافيا وضرورات الأمن، بقيت حريصة على معادلة واضحة: دعم وحدة سوريا وسيادتها مقابل حماية أمنها الوطني من أي تهديد عابر للحدود.
لكن الرسالة الأوضح التي يبعث بها الأردن اليوم هي أن أمن حدوده ليس موضع مساومة أو اختبار. وإن كان الأردن يفضّل الحلول السياسية وضبط النفس، فهو لا يتردّد لحظة في استخدام أدوات الردع إذا ما استشعر تهديداً حقيقياً لأمنه واستقراره، أياً كان مصدره أو داعموه.
إنه موقف نابع من خبرة دولةٍ تعرف حدودها وحدود الآخرين، لكنها تدرك في الوقت ذاته أن ترك الخاصرة الجنوبية مكشوفة يعني فتح الباب أمام فوضى لا تنتهي، ومخاطر لا تتوقف عند حدود تهريب المخدرات أو السلاح، بل تتسلل إلى عمق الأمن الوطني والاجتماعي والاقتصادي على حدٍّ سواء.
إنه الجنوب السوري.. اختبار الإرادات الإقليمية.. والأردن فيه لاعبٌ يحمي خاصرته بنفسه، ويحمي رسالته الأعمق: أن لا أمن بلا سيادة، ولا استقرار بلا حدود محمية، ولا وطن بلا خطوطٍ حمراء يعرفها الجميع