مُنذ بداية العدوان الإسرائيلي الهمجي على قطاع غزَّة، رسم الأردن بقيادة جلالة الملك مسارات متعددة للتعامل مع القضية عبر استراتيجية واضحة المعالم، بدأها الملك بجولاتٍ مكوكية إلى عواصم القرار المؤثرة دولياً لإيقاف العدوان البربري وبيان أن القضية لم تبدأ في السابع من أكتوبر بل أنها منذ أن جاء هذا الاحتلال الغاشم لفلسطين.
لقد أظهرت الدبلوماسية الأردنية المُحترفة حجم التلاحم بين القيادة والمؤسسات والشعب ومدى الالتفاف حول القضية المركزية للأردنيين أجمع ألا وهي القضية الفلسطينية؛ وتاجها القدس الشريف، ولا يزاود عليهم أحد في مواقفهم تجاهها ومحبتهم لها وحجم ما يتم بذله من أجل أن تنعم الدولة الفلسطينية بالأمن والأمان وأن يحصل الفلسطينيون أجمع على حقوقهم التي سُلبت منهم منذ بداية الاحتلال.
يدرك الأردن أن الهدف من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزَّة ليس القضاء على فصائل المقاومة بل البدء في مراحل التهجير القسري لسكان فلسطين المحتلة، فالخطة الصهيونية تفترض تهجير سكان شمال قطاع غزَّة إلى الجنوب وثم تهجير الغزيين إلى صحراء سيناء والانتقال إلى استكمال مشروع التهجير في الضفة الغربية إلى الأردن.
من هنا، أخذ الأردن على عاتقه مسؤولية إيصال صوت الفلسطينيين إلى المجتمع الدولي، وفضح المجازر الصهيونية المرتكبة، وحشد موقف دولي في الجمعية العمومية للتصويت على وقف إطلاق النار بـ 120 صوتاً، كما مارس الأردن ضغطاً على دول الإتحاد الأوروبي لتغيير رأيهم و مواقفهم الداعمة لدولة الاحتلال، وبدأنا بعد هذا الحراك الدبلوماسي نرى ونسمع تغييراً واضحاً في اللهجة الأوروبية حيال الحرب المستعرة على أهلنا في غزة.
ولم يقف الموقف الأردني عند هذا الحد، فمنذ أيام العدوان الأولى قام الأردن باستدعاء السفير الأردني لدى الاحتلال، وأوقف إجراءات توقيع اتفاقية المياه مقابل الكهرباء، ووصف إتفاقية وادي عربة بأنها باتت بلا قيمة يعلوها الغبار في أحد المستودعات، علاوة على التصدي لمحاولات التهجير القسري لسكان القطاع لصحراء سيناء واعتبرها إعلاناً للحرب على الأردن.
حتماً بأن الدبلوماسية الخشنة التي يمارسها الأردن أصبحت بوصلة لدى دول العالم لرؤية حقيقة ما يجري لأهلنا في فلسطين المحتلة، فهذه الدول لم تعتد من الأردن المعتدل المتزن بوابة السلام في المنطقة وحلقة الوصل بين الشرق والغرب هذه التصريحات التي كانت سبباً في استدارة المواقف واستدراك حقيقة الخطر الداهم في المنطقة، وتصاعد فرص اتساع رقعة الصراع في ظل ممارسات المستوطنين في الضفة الغربية مما أدى إلى تنديد كبير على المستوى العالمي لهذه الممارسات.
إن المواقف الأردنية المُشرّفة بقيادة جلالة الملك عبدالله وولي العهد الأمير الحسين بن عبدالله الذي ذهب إلى مدينة العريش المصرية للإشراف على دخول المستشفى الميداني الأردني إلى خان يونس ورافق المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزَّة؛ جعلت الأردن في عين العاصفة ودائرة الاستهداف لأهمية وقوة الموقف الأردني الذي يفضح ويعرّي دولة الاحتلال، لذا ثمة من يحاول إحداث شرخ داخلي يضعف الأردن والأردنيين.
وفي هذه الأوقات الحرجة إقليمياً؛ علينا الفخر والاعتزاز بالموقف الأردني الذي يقوده جلالة الملك أيضاً والالتفاف حوله وحول مواقف مؤسسات الدولة الأردنية للإبقاء على الزخم الدبلوماسي في ذروته ليكون عوناً وظهيراً لأهلنا، كما لا ننسى هنا الدور الكبير الذي قامت به جلالة الملكة رانيا العبدالله حينما تم استضافتها في العديد من اللقاءات الإعلامية العالمية وتحدّثت صراحةً حول الانتهاكات التي يقوم بها الإحتلال الغاشم بحق المدنيين في غزة والضفة الغربية ومحاولاتهم للتهجير القسري للفلسطينيين وأن هذا الإحتلال لم يكن يوماً ينادي بالسلام، كما كان للإنزالات الجوية للمساعدات الطبية والإنسانية التي قام بها نشامى القوات المسلحة فوق سماء غزة الأثر الكبير في التخفيف عن المصابين في القطاع وتزويدهم ببعض من الاحتياجات الطبية التي هم بحاجة إليها، كل هذه المواقف تجعلنا متيقنين تماماً بأن القضية الفلسطينية هي الهم الأول لكل الأردنيين بمختلف مستوياتهم ومواقعهم ولن تكون هذه القضية إلا في الوجدان دوماً.