2024-11-25 - الإثنين
00:00:00

آراء و مقالات

أمهات تربويات: الحاجة فايزة محمد العميلات

{clean_title}
صوت عمان :  

بقلم : يوسف المرافي

تربوية فاضلة فريدة بخصالها النبيلة تحمل قلباً أبيض متسامحاً رغم ما عرف عنها بقوة شخصيتها في قطاع التربية والتعليم . قليل من كان على شاكلتها في مدرسة الأخلاق وتربية الأجيال ، يفيض منها النصح و المحبة والتوجيه للذين درستهم قبل زهاء (٤٠) سنة و لأبناء المجتمع الذي تسكنه وتضفي عليه البهجة والطمآنينة و ما كتابتي عنها إلا من أجل إرسال رسائل للمجتمع الذي بدأت العادات الحسنة تنقرض منه لتكون قدوة حسنة للأجيال الحالية على صعيد العادات الإجتماعية كالشعور مع الآخرين والكرم واحترام الآخرين مثلا .

نعم المرأة،الصوامة القوامة، القارئة للقرآن ، و المبتسمة رغم قسوة الحياة وظروفها ، فهي تتمتع بشخصية قوية ، كونها تعتبر من المربيات القدامى للمرحلة الإبتدائية التي عُرف عنها التفاني في العمل و الإخلاص في تربية الأجيال خاصة المرحلة الإبتدائية ، فهي لا تبالغ في حديثها مع الآخرين تنزل الناس منازلهم بحكم شخصيتها القوية وخبرتها في المجال التربوي سابقا .

هكذا هي سيرة الخيرين و مآثرهم لا بد أن تفوح ريحها العطرة ولو بعد حين ، بتقديم المساعدة للفقراء في السر حتى أن الأبناء لا يعرفون ذلك ، إنما اكتشفت ذلك في بحثي وتحري عن سيرتها منذ فترة ، و صلتها بالأسرة الممتدة والمجتمع و سوف أتحدث عنه في سياق المقالة ؛ كوني عاصرت العمة أم عابدين منذ خطوبتي لابنة شقيقها عمي منذ زهاء (١٧ ) سنة ، حيث سعت في جاهتي برفقة شقيقتها طيبة الذكر والمعشر العمة أم محمد بسبب وفاة والدتي - رحمها الله - فقد كانت تمتدحني كثيرا أمام أهل الزوجة و وتغير من طريقة حديثها الذي يشعرك في الأمان و كأنها استشعرت الحزن والهموم تخيم علي ؛ بسبب وفاة والدتي قبل زواجي ، حيث أذكر أنها تحدثت لعمي أنها شاهدت والدتي في الرؤية وهي تلبس الأخضر و في حالة سعيدة ، حيث أوصت عمي بأن ينقل هذه الرؤية لي مما كان له أكبر الأثر في تخفيف أوجاعي وهمومي في ذلك الوقت العصيب ، وكانت توصي زوجتي بأن تراعي ظروفي الصعبة ؛ كوني تزوجت بعد وفاة والدتي بفترة وجيزة تنفيذا لوصيتها .

ولدت العمة أم عابدين في الطفيلة عام (١٩٦١) وهي الأخت الصغرى لعائلة مكونة من ثلاثة أبناء وبنتين .

درست المرحلة الابتدائية في مدرسة عمورية الأساسية و كانت مديرة المدرسة في ذلك الوقت هند الهواملة و معلمتها عواطف العوران ( أم معمر)، ثم درست المرحلة الثانوية في مدرسة الطفيلة الثانوية و كانت مديرتها هند السقرات .

درست في كلية السلط الثانوية تخصص معلم صف وتخرجت سنة (١٩٨٤) بتقدير جيد جداً.

وفي عام (١٩٨٤) تم تعيينها قبل صدور نتائج الشامل في منطقة وادي موسى محافظة معان لمدة سنة .

عام (١٩٨٥) انتقلت لمدرسة غرندل الأساسية لمدة سنة ، حيث خدمت في مدرسة سعوة، ثم في عام ( ١٩٨٦ ) انتقلت إلى مدرسة دويخلة المختلطة لمدة أربعة أعوام، و كانت مديرة المدرسة يسرى الشبيلات ، في عام (١٩٩٠ ) انتقلت إلى مدرسة صفيه بنت عبد المطلب لمدة ستة أعوام ، وكانت مديرة المدرسة هدى القطاطشة .

وفي عام ( ١٩٩٦) انتقلت إلى مدرسة ابن منظور وعمورية الأساسية و كانت مديرة المدرسة نهى المحيسن ، حيث أمضت فيها ( ٨ ) سنوات، و ختمت مسيرتها التربوية فيها ، فقد تقاعدت عام (٢٠٠٣) بعد خدمة ( ٢٠ ) سنة زاخرة في الإنجازات والمواقف التربوية المؤثرة ، فقد رُفض رفع طلب تقاعدها عدة مرات نظرا لتفانيها وجهودها المتميزة في حقل التدريس في ذلك الوقت .

أثمرت حياتها الزوجية عن ستة أبناء جامعيين تنوعت بين تخصصات الهندسة و الكيمياء و اللغة الإنجليزية و إدارة الأعمال و كبرت العائلة بانضمام خمسة أبناء من خيرة الشباب أزواج بناتها الفاضلات و احتضنت أحد عشر حفيداً وحفيدة
وحظيت بشرف زيارة بيت الله الحرام ثلاث مرات و أدت مناسك الحج .

فهي أم اجتماعية مع الناس فيما تقدمه من نصائح لنساء المجتمع المحلي في ضرورة التوفير على الزوج وعدم مضايقته في كماليات الحياة المصطنعة ، فأم عابدين ناصحة في أقوالها ، أمينة على أسرارها ، و الأمر الأخير أنه أمرٌ غريب عجيب يأسر القلب ويحير اللب بأن أم عابدين صبرت على مرض والدتها أم فرحان - رحمها الله - وتحملت المشقة والتعب في مرضها ، فقد كانت دائما عندها في البيت ترعاها ، رغم أنها كبيرة في السن لم تفارقها طيلة مرضها ولم يسبق أن تحدثت عن مرضها أو تذمرت من خدمتها وهذه سابقة طيبة من هذا الحنان الكبير الفياض الذي تصبه على والدتها في كبرها . نسأل الله أن يكثر من أمثال أم عابدين في مجتمعنا الإسلامي .

يا لها من إمرأة حملت ما بين جوانحها صفات المرأة المحبة للناس وعمل الخير ! لله درها عجيبة في أسلوبها، مثيرة للدهشة في مواقفها الإنسانية تجاه من يخالطها، رغم أنها مغمورة في روحانية ونورانية إلهية بعيدة عن صخب الحياة ومتاعبها ، تلك الأم ذات الحنان الواسع ، مواقفها لا تنسى، و آثار خطواتها لا تُمحى ، وأحاديثها ذات شجون لا تمل و لا تكل من إسداء حكمها و نصائحها في تيار الحياة مع أهل الحق ، يا لها من إمرأة صبرت على الظروف من أجل تعليم أبنائها في الجامعات الرسمية .

لله درك ، يا أم عابدين ! ما أعظمَ سرك في العطاءِ، تعملين بصمت فأنت تكرهين الرياء ، فقد كتبت عنها عنوة وبحكم الخبرة ومعاصرتي لها ، فهي إمرأة من الطراز الرفيع في الحكمة والكرم و الكياسة ، فهي صاحبة بصيرة، أنعم الله عليها بمحبة الناس والجيران الذين يجاورونها ، فهي تحرص على حضور المناسبات الأفراح والأتراح ، فهي إمرأة كريمة سخية تعشق إطعام الطعام للمقربين والأقارب ، و عمل الولائم .

إمرأة محشومة تتصف في الرزانة والخلق الجمّ ، متواضعة مع الكبير والصغير ، فهي تسلم على أطفال الحي عندما تسير في الشارع ، أشعر بطيبة قلبها على من حولها ، فهي تداوم على زيارة شقيقتها العمة أم محمد وتعتبرها بمثابة الأم وتمتدحها أمامي كثيرا ، كما تقوم بزيارة النساء خاصة الكبيرات في السن .

عندما كنت في مرحلة الخطوبة ، انتابني شعور أن العمة أم عابدين تخفي في قلبها حزناً كبيراً لم أعرف سببه منذ ذلك الوقت، رغم ذلك الحزن إلا أنها تتفاعل وتتحدث مع الذي يحاورها بطريقة الوالدة المحبة للآخرين .

اتصفت أيضا بصفات إجتماعية قل نظيرها بين النساء في الحي الذي تسكنه لا سيما في تمسكها في صلة الرحم فيما تفعله في زيارة الأقارب و الجيران و مشاركتهم في أفراحهم وأتراحهم .

لي الشرف الكبير أنني خالطت العمة (أم عابدين ) منذ فترة خطوبتي ، فقد كانت تضفي على المكان والجلسة الطمأنينة والراحة لكل من يجالسها ويتحدث معها ، علاوة على تفقدها الجيران ، فهي تحب إطعام الطعام وأكرام الضيف .

مما أعجبني كثيرا في شخصيتها طريقة تعاملها مع الجميع ، فهي لا تميز بين أبنائها و أزواج بناتها ، فهي تعتبرهم بمنزلة أولادها ، توقرهم كثيرا تكن له الإحترام والتقدير لدرجة أنها تحرص على دعوتهم عندها في البيت و تحترمهم كثيرا عكس ما يحصل مع بعض الحموات اللواتي في زمننا الحالي وللأسف الشديد يقسنَّ في واجبهنَّ في معاملة أزواج البنات .

فهي إمرأة فريدة نظرا لنسبها الطيب و انحدارها من أعرق العشائر في الطفيلة ، فقد كانت تربطها علاقة أخوية مع أفراد عشيرتها وأبنائها الذين كانوا يلتقون بها ويزورونها في بيتها الذي هو دائما مفتوحا للجميع .

تتميز بالأخلاق العالية و الأسلوب الدافىء في مخاطبة الآخرين ، فهي مخلصة في نصحها لمن يستشيرها و في جانب آخر كانت تستر و لا تفضح عيوب من تجالسه ممن تشاهد في صفاته البخل و قلة الكياسة و الرزانة ، مما جعلها تكسب القلوب و محبة الآخرين .

فهي إمرأة تعشق البساطة زاهدة ، ودودة ، تصنت للآخرين عندما يتحدثون ، تتمتع بخصال و مزايا حميدة، جلّها الإيمان ،و دماثة الخلق ، و حسن المعشر، و طيبة القلب، متميزة بالتواضع الذي زادها احترامًا وتقديرًا ومحبة الناس من أبناء الحي الذي تسكنه ، و كل من عرفها والتقى بها .

امتازت بشخصية تتمتع بسعة الأفق و المعرفة والدراية وتنوع الخبرات ، فهي شديدة بالالتزام بالعادات و التقاليد الحميدة التي بدأت تنقرض في مجتمعنا الحالي .

نسأل الله أن يحفظها ويحفظ أبناءها ويبارك لهم في ذريتهم ويديم عليهم المسرات و الصحة والعافية .