مرة أخرى يضرب العنف الطلابي جامعاتنا… وآخر ذلك ما حصل في الجامعة الأردنية والجامعة الهاشمية، وما نشاهده في الفيديوهات التي انتشرت والتي تتبناها بعض صفحات التواصل، وتنسبها لعشائر وفئات وجهات وواجهات… تبقى بريئة منها… لأنها تنم عن تخلف كبير وجهل لمن يفتعلونها ولمن ينشرونها… ويكرسونها بطولات متخلفة تذكرنا بحرب داحس والغبراء، بين طلبة جامعيين هم مستقبل البلد وأمل الأمة.
مازال تفاعل الإدارات الجامعية مع العنف الطلابي قاصراً؛ لأنه يعتمد ردّ الفعل الآني، ولجان التحقيق وإيقاع العقوبات، واحياناً لملمة الأمور والتغاضي وتمرير المخالفات؛ نتيجة ضغوطات على الإدارات الجامعية والتدخلات من أطراف أخرى متنفذة أو نواب أو وجهاء، و(كل واحد بفزع لقرايبه… !) بغض النظر عن أفعالهم أو الإساءات التي ارتكبوها بحق أنفسهم وجامعاتهم ومجتمعهم ووطنهم، مكرسين معاني بيت الشعر المشهور لدريد ابن الصمة: وما أنا إلا من غزية إن غوت غويت وإن ترشد غزية أرشد".
كانوا قديما يخلعون الأضراس لمجرد الوجع، لأنه لم يكن طب أسنان علاجي..! واليوم تذهب الجامعات لذات الأسلوب متناسية الإجراءات الوقائية والإرشادية والعلاجية لظاهرة العنف الطلابي في الجامعات، والتي هي إمتداد للعنف والتنشئة المجتمعية والتي يجب أن تعالج من قبل الجامعة والجميع حكومة وأفراد ومجتمعات.
في ثورات العنف الجامعي ومما نشاهده… يتحول الطالب الجامعي بلحظة؛ إلى مشروع ثائر أهوج منفلت تسيطر عليه العصبية والهمجية، وتسود ظاهرة القطيع… فيلتم الشامي على المغربي أو لا يلتم… وتدور رحى المعركة من شتائم حقيرة وقبيحة إلى تغني وعصبيات… شلة فلان أو شباب… العشيرة أو المنطقة… الفلانية والعلانية… وتبدأ الإتصلات لتجميع كتائب القتال والمناوشات… وقد يدير ذلك أطراف تحريض من هنا وهناك… والأسباب تافهة دائماً… (جحرني وجحرته… دفشني…ودفشته، تحرش ببنت جيرانا… أو بنت العشيرة… وقد تجد أغلب الأسباب مرتبطة بوهم علاقات خاطئة بين الجنسين، يتم التورية عليها بأمور تتعلق بالرجولة والفزعة والشرف…).
من هنا وأنا مع تفعيل الإجراءات الرادعة لكي لا يستفحل الأمر، ولكن الدور الأكبر الموازي الذي يجب أن تمارسه الإدارات الجامعية وبشكل مستمر ومؤثر لتوعية الطالب الجامعي وبناء شخصيته المسؤولة من خلال مقترحات عديدة اجتهدت بطرحها… وهنالك غيرها الكثير لمن يبحث عنها.
الطلبة الجدد والذين يطلق عليهم زملاؤهم من السنوات الأخرى (السنافر) ربما تحببا أو تهكما… !!، وتعتبر السنة الأولى للطالب الجامعي من السنوات الهامة في مسيرته الجامعية والدراسية بشكل خاص، ومن الأهمية بمكان أن تحتضن الجامعات الطلبة الجدد، وان تعمل من خلال نشاطات موجهة وهادفة ومخطط لها لإدماج الطلبة الجدد في المجتمع والبيئة الجامعية، لأنهم ينتقلون من مرحلة التعليم المدرسي بخصوصيتها وأعرافها إلى التعليم الجامعي بخصوصيته واعرافه الأكاديمية أيضاً، والفارق كبير بينهما والنقلة نوعية تحتاج الكثير من الأمور لنضمن طالب جامعي مدرك ومندمج ومتوائم مع بيئته الجديدة، ويجب أن لا يترك الطالب وقدره دون إرشاد وتوجيه، وأن لا تكتفي الجامعات بالتعامل مع الطالب كزبون..! دفع مستحقاته المالية ودخل الحرم الجامعي والسلام، وعند أي مشكلة تواجه الطالب سواء كانت سلوكية من عنف جامعي أو غيره أو دراسية نكتشف أن الطالب يجهل الكثير من التعليمات والقوانين والأنظمة والأعراف الجامعية، وانه ما زال يتصرف بنفس بيئة المدارس أو الحارات ورفاق السوء، ولم يرتقي لمستوى الطالب الجامعي، حيث أن التعليم الجامعي تكبر فيه مسؤلية الطالب في التعلم مقابل المدرس بعكس المدارس، إضافة لتغيير كبير في أساليب وطرق التعلم وإدارتها أكاديمياً ونظام الساعات المعتمدة وغيره الكثير من الأمور التي تعمل على تأهيل الطالب في موضوع تخصصه، وكذلك بناء شخصيته لتلبي متطلبات المجتمع وسوق العمل، وتاليا بعض المقترحات التي يجب أن تفعلها الإدارات الجامعية لإدماج وموائمة الطالب الجامعي المستجد في البيئة والحياة الجامعية والمجتمع:
1- تخصيص لجان إستقبال للطلبة الجدد على مستوى الجامعة والكلية والأقسام، من أعضاء الهيئة التدريسية والإدارية ومن الطلبة من السنوات السابقة ودوائر شؤون الطلبة، وتزويد الطلبة المستجدين بنشرات تعريفية عن الجامعة والتعليمات والأنظمة والقوانين والأعراف الجامعية ضمن برنامج مخطط له ومعد جيدا، ومع ان بعض الجامعات تقوم بشيء من ذلك، ولكنه في الغالب يكون الإستقبال احتفالي سطحي ولا يساهم أعضاء هيئات التدريس فيه لأن البعض منهم يعتقد أن علاقته بالطالب هي قاعة المحاضرات فقط...!.
2- لقاءات تعريفية للطلبة الجدد بالإدارات الأكاديمية والإدارية ذات العلاقة معه، وكذلك أعضاء هيئة التدريس والإداريين والأمن الجامعي، لأنه ومن خبرتنا، نصادف طلبة كثر لا يعرفون رئيس قسمهم أو عميدهم، ويرافق ذلك تعريف بمرافق الحرم الجامعي وأماكن الخدمات المختلفة والكيفية التي تمكنهم من الحصول على الكثير من الخدمات الجامعية المتوفرة.
3- أن يكون الإرشاد والتوجيه التربوي والأكاديمي والمسلكي مستمراً من الجهات التي أسلفت وان لا يقتصر على الأسبوع الأول من العام الجامعي، من خلال أنشطة ومحاضرات تثقيفية موجهة… على مدار سنوات دراسة الطالب في الجامعة.
4- تخصيص 5 دقائق من كل محاضرة ويفضل أن تكون بداية المحاضرة يقوم عضو هيئة التدريس بفتح حوار مع الطلبة عن بعض الامور العامة والوطنية، وكذلك السلوكيات السلبية في الحرم الجامعي وتعزيز وتطوير السلوكيات الايجابية، ويحضرني هنا إنفصال الأستاذ الجامعي عن طلبته واقتصار العلاقة على المحاضرة، إذ يجب عليه أن يعرف أن دوره تربوي وانه نموذج وقدوة للطالب وان سلوكه يجب أن ينحو نحو التواصل مع الطلبة وتحسس مشاكلهم وتفهمهم وتفهم مرحلة التحول، وتزويدهم بكل ما يساعدهم للتصرف بشكل نظامي وحضاري، وأنهم أصبحوا جزءً مهماً من الجامعة وان عليهم مسؤوليات وواجبات، مع الإبتعاد عن الترهيب والتهديد والتعنيف والإساءة للطلبة، بل احترامهم وإرشادهم بكل الطرق التربوية الممكنة.
5- محاضرات تثقيفية مبرمجة وأنشطة، وإرشاد وتوجيه من الإدارات الجامعية والمختصين وأعضاء هيئات التدريس في الجامعات للطلبة مستجدين و قدامى عن طبيعة العلاقات الصحيحة بين الطلبة والطالبات، وكذلك مع أعضاء هيئة التدريس والإداريين، وتوعيتهم لبعض الظواهر السلبية كرفاق السوء، والمخدرات، والعنف الطلابي، والتعصب وغيرها من الظواهر والسلوكيات السلبية التي تواجه الطالب الجامعي، بكل شفافية وانفتاح.
6- توعية الطلبة الجدد والقدامى وإرشادهم أكاديميا بشكل فعال من قبل الأقسام المعنية، وإشراك الطلبة القدامى في عملية الإرشاد.
7- توعية الطلبة الجدد بالتعليمات والأنظمة والقوانين والأعراف الجامعية وكذلك أنظمة العقوبات، ليتعرف الطالب النتائج التي يمكن أن تترتب على أي سلوك سلبي يقوم به، ولا مانع من عرض حالات حصلت سواء في ذات الجامعة أو غيرها… والنتائج والعقوبات التي أوقعت.
8- إدماج الطلبة في الأنشطة الجامعية المختلفة ثقافية و رياضية و فنيه و تطوعيه و غيرها، كل حسب قدراته وميوله، لتفريغ طاقاتهم في مجالات مفيدة تعمل على بناء شخصياتهم بطريقة صحيحة، لأن الطالب المشكل في الدراسات النفسية، يفتعل المشاكل للشهرة وإثبات الذات، ولعدم قدرته على إثباتها بالمجالات الأكاديمية أو الأنشطة الفعالة لعدم وجودها أو التقصير في إدماج الطلبة بها.
9- إتباع سياسة الباب المفتوح مع الطلبة الجدد والطلبة بشكل عام؛ من قبل الإدارات الأكاديمية ولو من خلال تخصيص أوقات معينة لمراجعات الطلبة لحل مشاكلهم أو الإجابة على تساؤلاتهم… وأخص رؤساء الجامعات والعمداء باقتراح وقت محدد لاستقبال الطلبة وسماع افكارهم واقتراحاتهم أولاً وكذلك أي مشاكل او امور تواجههم سواء داخل الحرم الجامعي أو خارجه والعمل على حلها ما امكن، ولا أرى هذا مطبق في أي من جامعاتنا..!.لقصر الفجوة بين الطالب والإدارات الجامعية وانفتاحها على مشاكل وقضايا الطلبة.
10- التركيز على إحترام الطالب وتعزيز شخصيته وذاته من قبل الإدارات الأكاديمية وأعضاء هيئات التدريس والإداريين، لأن التجاهل والتكبر والتعامل الفوقي والإهمال في التعامل مع الطالب، لها مردود عكسي على سلوك الطالب والبيئة الجامعية.
11- تخصيص مكاتب للإستعلام والإرشاد التربوي والاكاديمي والنفسي للطلبة من خلال مختصين، لاستقبال الطلبة وتقديم خدمات الإرشاد والتوجيه التي يحتاجونها.
12- توفير برامج توعية لبعض أو كل أعضاء هيئة التدريس والإداريين والأمن الجامعي لتطوير ثقافة الإتصال لديهم بالطلبة، وقد ينكر علي البعض ذلك لاعتقادهم أن الدكتور الجامعي يعرف كل شيء ولا ينقصه ذلك..!، مع أن الواقع يقول أن عدد لا بأس فيه من الأساتذة الجامعيين والإداريين يفتقدون لأدنى مقومات ثقافة الاتصال بالطالب، ولا أعمم ومن لا يعجبه هذا الاقتراح عليه سؤال الطلبة عن تعامل بعض أعضاء هيئة التدريس أو الإداريين معهم بفوقية وتكبر وعجرفه وتهديد ووعيد وتصغير وتحقير ونعت بالفشل وغيرها الكثير من الممارسات غير الصحيحة والسلبية..!.
13- تفعيل مساقات الثقافة العامة مثل التربية الوطنية وغيرها، لترسيخ مبادئ المواطنة والمسؤولية لدى الطالب، لأنها تُدرس غالبا بطريقة تلقينية وكأنها مواد تاريخ للحفظ…والنجاح والرسوب… ! وليس التطبيق، ومن خلال خبراتنا وتعاملنا مع الطلبة فليس هنالك أثر ظاهر على سلوكيات الطلبة تلتقي مع أهداف طرح هذه المساقات، وادعو إلى تطوير هذه المساقات لتتضمن جوانب عملية تطبيقية تطوعية داخل وخارج الحرم الجامعي؛ تعمل على تعزيز الشخصية الوطنية الاجتماعية للطالب وزيادة الوعي والمسؤولية الذاتية والمجتمعية لديه.
14- طرح دورات قصيرة خارج الخطة الدراسية للطلبة وبما يتناسب مع برامجهم مسائية أو صباحية أو أيام العطل، في مواضيع المهارات الناعمة ومهارات الإستخدام، وتشير الدراسات أن المهارات الصلبة أو المساعدة التخصصية والتي تتمثل في المؤهلات والخبرة، نحتاج منها 15% في حياتنا العملية المعاصرة، بينما المهارات الناعمة نحتاج منها 85%، وتتمثل هذه المهارات التي يجب أن يكتسبها أي خريج جامعي بمجموعة من مهارات: التواصل، التخطيط والتنظيم، العمل ضمن فريق، والتأقلم والمرونة، والتفكير الناقد، وإدارة الأزمات، والإحتراف، والتفاوض وإدارة الوقت… وغيرها الكثير مما فرضه التطور التكنولوجي المتسارع ماضياً وحاضراً وما سيتطلبه مستقبلاً.
15- توفير مكاتب للريادة والإبداع والإختراع ترعى الطلبة المتميزين وتنمي معارافهم وإبداعاتهم في المجالات المختلفة، وتنمي وتحفز الطلبة بشكل عام لغرس مبادئ الريادة والإبداع وموائمتها مع تخصصاتهم.
هذا بعض مما حضرني من أمور يجب على الإدارات الأكاديمية في الجامعات الاهتمام بها وإضافة غيرها وتطويرها بهدف إدماج وموائمة الطلبة الجدد والقدامى في الجسم والبيئة الجامعية والمجتمعية، لنستخلص وننمي طاقاتهم وإبداعاتهم، ونحيد الطاقات والسلوكات السلبية المؤدية للعنف الطلابي في الجامعات، كذلك الحد من أي سلوكات سلبية لاحقا، لما فيه مصلحة الطالب والجامعة والمجتمع والوطن....حمى الله الأردن