2024-11-25 - الإثنين
00:00:00

آراء و مقالات

المقارعيه (لواء الشوبك)...القرية التي اندثرت فيها الحضارة وحديث الفخر والقهر

{clean_title}
صوت عمان :  

كتب : عماد حسين البدور.

قرية المقارعيه لمن لا يعرفها هي احدى قرى الشوبك الوادعه حيث تقع في ملتوى قصي بعيد في حضن جبل سحيق نحو الشمال الشرقي من بلدة الشوبك على مرأى من جبال الطفيله حيث قريتي الرشاديه والقادسيه وعلى الضفه الغربيه لسهول منطقة الفجيج حيث بر الشوبك الشرقي لن اتحدث عن عدد سكانها فقد كان فيها سكان بالمئات في أفضل حالاتها ولم يعد فيها الا بضع عائلات صامده مناخها يناسب زراعة الحمضيات ويناسب زراعة التفاح في آن واحد ان تكلمت عن الزراعه فهي قد كانت أمها, وان تكلمت عن الاقتصاد فحدث ولا حرج عن تاريخها منذ عهود المملكة الصليبيه ثم الأسلاميه وصولا الى الدوله العثمانيه انتهاء بفترة الحكم الهاشمي خلال القرن الماضي والحالي بكونها كانت أحد أهم قرى الشوبك وحتى محافظة معان في نشاط أبناءها الاقتصادي الذي تناسب مع طبيعة المنطقه وامكانات أبناءها وتفتح عقليتهم وانفتاحهم المبكر على الآخر البعيد والمختلف بدويا كان أم حضريا أم غريبا غير مقيم ولو انتقلنا الى الدين فقد خرج منها علماء جهابذه ومصلحين كبار وأئمه لا يشق لهم غبار وطالما ذكرنا الدين فلا بد أن نعرج على العلم.

وهنا بالذات نتوقف لنأخذ نفسا عميقا يختلط فيه شعور الفخر بشعور الحسره لماذا .؟

الاجابه في الحقيقه تحتاج من القارىء لهذه السطور أن يركب كبسولة صغيره تسافر عبر الزمان والمكان ليصادف في رحلته حول العالم وجوها وأسماء وعلمائها وباحثين وأطباء وأدباء وشعراء ومفكرين في مجالات العلم كافه وفي أرفع المؤسسات البحثيه والطبيه العالميه ,كلهم قد خرجوا من رحم هذه القرية الصغيرة الوادعه البعيده عن الناس والعمران والتي بقيت على هذا الحال من النتاج الطيب والثمر الحلو الى أن نعق فيها غراب البين وهجرها من سكنها لسبب أو آخر ولم يعد يسمع في جنبات أوديتها الا عواء الكلاب في ليلها الموحش (خاصه مع انطفاء أضواء أغلب بيوت أهلها المهجوره) وفي النهار حيث بعض آخر القابضين عل الجمر من أهلها وأهلنا يسير نحو بهو جامع القريه الوحيد العتيد أو باتجاه دكانها الأخير المتواضع جدا والبسيط.

ولو تحدثنا عن أهل الفكر والفلسفه ومرتادو العمل الحزبي وأروقة السياسه (ولاء أو معارضة قديما وحديثا) لتمثّل أمامنا وقوفا عدد لا يصدق بالنسبه لعدد أولئك الذين سكنوها منذ عقود لكن هذا السيل الهادر قد توقف وأصبح عباره عن سواقي ماء نحيلة جدا جدا تصب مائها هنا وهناك بعيدا عن المهد بعيدا عن العهد بعيدا عن تراب الأرض وجذوع شجر الزيتون الروماني القديم قدم عهد هذه القريه بالحضاره.

والذي حصل كارثه فاجعه كابوس رأيناه يتحقق شيئا فشيئا ويرخي بظلاله على ماء عين السدر وعلى سناسل الحجاره حول بساتين الزيتون المعمر وعلى جدران بيوتات أهلها التي خرج من بين جنباتها كل أولئك الذين تحدثنا عنهم بفخر لكن بقهر بفخر لأنهم أبناءها الذين نبتوا في الحياة كشجر البعل وبقهر لأنهم بعدما غادروها رغما عنهم لا حبا بذلك أصبح عزاؤهم الوحيد بل عزاؤنا هو البكاء على أطلال الصور المنشوره للقريه على صفحات الواقع الافتراضي والشجن الحزين اليائس متمثلا بمقاطع فيديو مرفوقه بموسيقى جنائزيه مرفقة باستعراض نفس الصور لنفس القريه بنفس المأساويه, وفي أحيان قليله يكون العزاء على شكل قصيدة شعر أو أبيات تتغنى بالماضي وتأسى على العهد الذي انقضى ثم يغيب قائلها أو ناضمها وراء أسوار الواقع الافتراضي فلا يرانا أو نراه.

هكذا وبهذا السيناريو الحزين اندثرت آخر البساتين وآخر الرياحين وآخر السواقي وآخر الساكنين هكذا أندثرت في قريتنا الحضاره.

هل سأكتفي عند هذا الحد ؟

بالطبع كلا سأوجه سؤالا واحدا بريئا بسيطا مباشرا وبلا مقدمات السؤال هنا للأبناء أبناء هذه القريه بالتحديد الذين غادروها طلبا للعلم والمعرفه وبحثا عن الرزق في أرض الله الواسعه والذين هم أهلنا وأقرباءنا وأصحابنا ورفاقنا العزيزين والمقدرين والمحترمين السؤال ما المانع ما المشكله ماهو مدى الصعوبه في أن يتم طرح فكرة أعادة تأهيل قرية المقارعيه لتكون وجهه سياحيه ريفيه كلاسيكيه وبوجود مؤهلات رهيبه وهي:

موقع القريه الساحر واطلالته المتميزه جدا

جهوزية القريه من حيث وجود البساتين والكروم والسناسل الحجريه التي تحتاج فقط لبعض العناية واعادة التأهيل اضافه الى صيانة البيوت المهجوره واعطاءها الطابع التراثي الأصيل دون حاجه لبناء بيوت جديده من الأساس.

وجود عين ماء قريبه هي عين السدر واستغلالها بطريقه تعطي انطباعا قويا بواقعية المكان
وجود القريه على الطريق وبالقرب من المسارات السياحيه ونشاطات التسلق الجبلي حيث واحة وادي النخيل الساحره ووادي فينان وأودية وادي عربه الساحره من جهة محمية ضانا ومنطقة المياه المعدنيه حيث حمامات الدثنه وشلالات طرطر وعين البستان

توفر مرافق خدميه كالمركز الصحي ومركز الدفاع المدني.

والمطلوب كالتالي وأنا هنا أشير الى جميع أبناءها المنتشرين حول العالم كائنا ما كان منصبه أو صفته أو مكان سكنه او اقامته أن يقدم كل واحد منهم في موقعه وحسب امكاناته (مستثمرا علاقاته الشخصيه والعمليه والعلميه) ما يمكنه من خبره أو معلومه أو دراسه لاستدراج تمويل دولي من أجل تحويل الفكره الى واقع ملموس المحامي والطبيب والمهندس والصحافي والمؤرخ والعسكري والمفكر والأكاديمي الذي يقيم خارج الأردن ورجل الأعمال من أبناء هذه القريه نحن وقريتكم والشوبك الأم لا نحتاج لكل شهاداتكم ومناصبكم ومؤهلاتكم ولا لقاءاتكم الصحفيه أو التلفزيونيه ولا محاضراتكم ولا مرافعاتكم القويه أمام المحاكم ولا رواياتكم وكتبكم ودواوين شعركم ولا حتى مناصبكم السياسيه أو العسكريه أو الأكاديميه ولا منشوراتكم الفكريه على صفحات الواقع الافتراضي ولا قرضكم الشعر فيها وعنها كل ما نحتاجه بل تحتاجه قريتكم الحزينه هو الوفاء وبشكل عملي واضح ومباشر وملموس على الأرض هل هذا الأمر بهذه الصعوبه ان جاز لي أن أسأل ولا أزايد على أحد من أهلنا في قرية المقارعيه هل كل هذه الكفاءات الرهيبه غير قادره على أعادة الحياة لقريتنا الحبيبه هل فعلا من الصعوبه بمكان أن نعيد قريتنا الى سلم الحضاره أم سنتركها حتى تخبو وقد خبت ثم تذبل وقد ذبلت ثم تموت وهي لم تمت بعد وما زال فيها بعض حياة المقارعيه تنادي أبناءها فهل من مجيب والله من وراء القصد.