كل حكومة تأتي بكتاب تكليف سامي، يشرح لها مهمتها للمرحلة القادمة وأهمية تنفيذ ما جاء بها، وعلى امتداد سنوات طويلة كانت تشخص الحالة الأردنية وواقعه بكل موضوعية، وتعتبر خارطة طريق لأي حكومة، كما تحظى كتب التكليف السامي بتوافق الأردنيين عليها وتطلعاتهم لتنفيذ ما جاء فيها، حالات التشخيص التي جاءت في كتب التكليف السامي وتعهدت الحكومات بتنفيذها ، لم ينفذ منها شيء في الغالب ، ويبقى الحال على ما هو عليه، والمواطن مع هذه الحكومات يرحب بالقادم على أمل التغيير للأفضل ولكن "عند عمك طحنا" عند التنفيذ.
الأردن مستهدف سياسيا واقتصاديا، ومستهدف في استقراره وأمنه ، هذا كلام لا غبار عليه، لكن هل المطلوب من الأردنيين المبيت في الخنادق لمواجهة هذه الاستهدافات؟ خصوصا أن لا دولة على وجه البسيطة لا تواجه تهديدات وتحديات، فهل يقضي الأردني سنوات عمره مخلوقا فقط لمواجهة التحديات والتهديدات؟ أليس له حق العيش بكرامة كما بقية خلق الله على الارض؟ لماذا يدفع ثمن هذه الاستهدافات والتحديات الأردنيين بينما طبقة أخرى من الأردنيين "المحظيين لدى الدولة" لا تنطبق عليهم شروط التهديدات والتحديات؟ وكأننا خلقنا ليولوا علينا ونعيش على خدمتهم .
لم يعد من المقبول أن يطل علينا أصحاب الدولة والمعالي والعطوفة، ليشرحوا لنا التحديات والتهديدات التي نتعرض لها في الأردن ، ثم يغادرون بمركباتهم الفارهة بعد ولائم لا يقدر عليها غالبية الشعب الأردني، لم يعد من المقبول أن يخرج وزراء حكومة الخصاونة ومهمتهم التبشيرية لنا برفع الأسعار وتبريراتها؟ لم تعين الحكومات لأجل إعلام الشعب بالتحديات والتهديدات ورفع الأسعار بل لحلها وابتكار الوسائل التي تضمن العيش الكريم للمواطن أو على الأقل نطالبهم بتنفيذ كتاب التكليف السامي عند شكلت حكوماتهم، ازمات تتلاحق ولا حلول.
الحكومات تأتي فتعلن عن حزمة من المخططات التي سرعات ما تختفي بعد منح الثقة النيابية ، وتبدأ بعدها بالبحث عن مصادر مالية لخزينتها ، رغم كل الإيرادات من رسوم وضرائب وغيرها من الأموال ، بخلاف المنح والمساعدات والقروض الخارجية، وتبدأ بالتفكير بكيفية فرض أعباء على المواطن سواء رسوم، ضرائب، خدمات وغيرها ، لتجد ضالتها بعد المؤتمرات والندوات والورش الاقتصادية والمبادرات في جيب المواطن واستخراج آخر فلس منه.
كل أنواع الدعم المالي التي أعلنت عنها الحكومات المتعاقبة تختفي بعد العام الأول لها، على سبيل المثال، أين دعم المحروقات الذي تسلمه الأردنيون في عامه الأول ثم بدأ بالاختفاء تدريجيا؟ أين دعم الخبز؟ وغيرها من كل أشكال الدعم، كلها تأتي لفترة ثم تختفي بعد عام على الأبعد ومن ثم يدفع المواطن الثمن.
الشعب الأردني يواجه الغلاء وارتفاع الأسعار منفردا، في ظل حكومة أصبح دورها تبرير ما هو قائم ، دون أن تتدخل لتغيير الواقع أو حتى تبتكر حلولا لما هو قادم، الأردني يقف اليوم وهو يناظر إلى ما يقارب نصف مليون طلب توظيف متواجدة في خزائن ديوان الخدمة المدنية، الأردني يواجه اليوم أكثر من نصف مليون طالب جامعي سيبدءون على مدار السنوات القادمة رحلة المشقة في البحث عن عمل ولن يجدوا، الأردنيين لديهم مليون طالب في المدارس سيلتحقون بمن سبقهم ليحصلوا على شهادات جامعية ومن ثم البحث عن الوظيفة، الشباب الأردني الذي تتغنون به يئن من عدم توفر الوظيفة، ويجلس على فراش البطالة ينتظر الفرج الموعود وهو يستمع إلى خطاباتكم الرنانة ووعودكم الوهمية ، الأردنيات اللواتي تتفاخرون بهن أصبحن اليوم بمئات الآلاف منهن بلا زواج، ومن تزوجن فاذهبوا إلى المحاكم الشرعية لتجدوا أن عشرات الآلاف سنويا من الأردنيات يطلقن بسبب الأوضاع المعيشية، اذهبوا الى دور المسنين، القرى ،المخيمات، البوادي ،الارياف، اذهبوا الى كل مكان لتجدوا الشعب الاردني يقول لكم كفاية "منشان الله".
ما وصلنا إلى هذا الحال إلا بسب نظرية "تدوير الفاشلين" ، حيث كل من يفشل من أصحاب الحظوة بمكان حتى يتم نقله إلى مكان آخر وهكذا وكأنها "سنة أردنية" ومكتوب علينا بقاء هؤلاء الفاشلين على صدورنا جاثمين ، ثم يخرجون لنا ناصحين وان لديهم كل الحلول ، بعدما أوصلونا إلى اليأس من كل حلول الأرض ولم يبق إلا حل السماء، لا أعلم من خرج بكتاب إقالة من منصبه العام ، يعود مرة أخرى في مكان آخر، أليس هو نفسه الفاشل؟ أم أن عملية التجريب والتدوير للفاشلين ستأتي بجديد؟.
في النهاية جيب المواطن ليس الحل، والشعب الأردني مرهون للبنوك حتى يستطيع البقاء على قيد الحياة، ويجب أن يكون لديكم حلول بعيدة عن جيب المواطن الذي بات يلفظ أنفاسه الاقتصادية الأخيرة ، فكل مبادراتكم وخطاباتكم واجتماعاتكم لم تستطيع ان توفر ثمن "ربطة خبز" لعائلة اردنية ، فكيف اصدقكم وهذا حالنا؟.