"جسر عبدون" على قدر جمالك جعلك البعض مقبرة يهرولون إليك كلما ضاق بهم الحال لتكون ملجأهم الوحيد للهروب من السراب .
رحم الأم الذي نحن منه ولأحضانها نهرول كلما بلغت همومنا ، جعلته إحداهن مقبرة لتكفر عن ذنب أول وردة وأول رسالة وفرحتها حين سماع كلمة "أحبك "
سقوط شاب من أعلى جسر عبدون ، وفي خبر آخر العثور على طفل هائم على وجهه في الرمثا " كلاهما نفس الخبر فالأول انهى ألمه من الدنيا من فقر وبطالة وتهجير وحرب وتنمر؛ "أي كان سبب إنتحاره" ليبدأ حياة جديدة في عالم آخر هو لا يعلم ما ينتظره ، أما الثاني فأنهى بسقوطه خوف أمه من الفضيحة بعد أن تخلى عنها والده لخوفه من المسؤولية أو لربما أباه مديون عاطل عن العمل، أجبر الأم على ذلك، أو الأم مطلقة وأرادت بذلك الإنتقام من طليقها ، وهو أيضاً لا يملك أدنى علم عن حياته وما ينتظره .
كم سيتمنى ذلك الشاب أن يعود للحياة ولو لدقيقة، وكم سيتمنى ذلك الطفل حياة أفضل من منزل وعائلة وأخوة حين تشير إحداهن إليه لتتبناه ، كم سيسمع كلمة أنت "لقيط" كم من ليلة ستغفو عيناه البريئة وهو يبكي ، كم سيتمنى الموت ليتقبله المجتمع...
كيف لأمه أن تنام ليلها ؟ ألم تجلدها صرخات طفل حملته تسعة أشهر ؟ ألم يعز عليها ألمها وإنقطاع أنفاسها بلحظات خروجه ؟ ألم يخيل لها أن الكلاب لربما ستنهشه ؟ كيف رسمت حياته ؟ لما كل تلك الأنانية ؟ اليوم أمه ... أو بلا كلمة أمه، فالأم عظيمة.. اليوم تلك المخلوقة، ظلمت نفسها مرتان؛ الأولى حين اختارت أن تخسر نفسها في لحظات مؤقتة، والثانية حين خسرت طفلها، ففي المرتين خسرت قطعة منها .
أما الشاب فكل من تسبب بوفاته ذنبه كذنب تلك المرأة في الأعلى كلاهم رسم طريق الموت.
حين وصلني الفيديو وضعت نفسي أمام المصور كيف له بلحظة هلع، أن يتذكر أنه يملك هاتف ؟ كيف له أن ينشر؟ ألم يضع نفسه مكان هذا الشاب أن يصوره أحدهم بأبشع لحظات حياته ؟ ألم يضع نفسه مكان صديق أو أخ أو أي شخص مقرب من هذا الشاب ؟ لماذا تجعل ألمه ألمين؟
"ارحمو من في الأرض يرحمكم من في السماء"
أسئلة كثيرة ليس لها أي إجابة سوى أنه من الواضح "لسنا وحدنا من يقرر النهاية ولكن نحن من يقرر كيف ستكون"...