2024-11-27 - الأربعاء
00:00:00

آراء و مقالات

أرجوك، لا «تُذِع» هذا السرّ

{clean_title}
حسين الرواشدة
صوت عمان :  

إذا كنت معجبا «بأدائي» ومقدرا لما أنجزته في الموقع العام الذي أتولى إدارته، أرجوك، اتركني اعمل بصمت، لا أريد ان يخرج اسمي إلى الإعلام، ولا ان يحتفي بي احد، حتى كلمة «شكرا» لا أريدها، فأنا أقوم «بواجبي» في خدمة الناس، اجتهد فأخطئ او أصيب، لكن أفضل ما يمكن ان تقدمه لي هو ان تظل انطباعاتك عني في داخلك، ربما تستفيد منها في حياتك او في تغيير «الصورة» عن «المسؤول» المتهم دائما بالعجز وقلة الانجاز، لكن حذار ان «تذيع» هذا السرّ أمام الجمهور.

فاجأني الرجل بهذا الكلام، فأنا في الغالب أتجنب الكتابة عن «الأشخاص» وانجازاتهم، واهرب من «مقالات المديح» والتلميع، لكن ما الذي يمنع من الإشارة الى «التجارب» الناجحة؟ وما الذي يضير المسؤول اذا وصلت أخباره التي تحمل بصمات «عمله» وإخلاصه الى الإعلام؟

سألته عن السبب الذي دفعه الى «تفضيل» البقاء في الظل، فقال لي: لا يوجد في مجتمعنا حزب اكبر من حزب «أعداء النجاح» ، يمكن ان تخطيء وربما تتجاوز صلاحياتك «فيغمض» هؤلاء أعينهم عنك، لكن ما ان تبدأ «بالإصلاح» داخل المؤسسة التي تديرها، وتسجل نجاحا في الأداء، وتلتزم بالقانون والتعليمات، وتصرّ على الحفاظ على الموقع الذي أنت فيه ليكون في خدمة الناس، حتى يتحرك على الفور أعضاء هذا الحزب ضدك ، بعضهم يشعر انك بانجازك تكشفهم وتفتح العيون على إخفاقاتهم وتجاوزاتهم ويتجنبوا «المقارنات» التي تفرضها «حالة النجاح»، وبعضهم يشعر دائما «بكراهية» غريبة تجاه كل من يحظى «بإعجاب» الجمهور لانجازه.

اعرف –بالطبع- ان ثمة طبقتين من المسؤولين: إحداهما تعتمد أساسا على «التسويق» الزائف للحصول على الثقة والإشادة، وهي لا تنجز وليس لديها ما يؤهلها للبقاء في الموقع العام الا من خلال «تضخيم» الصورة والمبالغة في الحديث عن نجاح الأداء، وطبقة اخرى عكس ذلك تماما، وهي احيانا غير قادرة او راغبة في إشهار تجربتها، لكنها تخشى دائما من انقضاض أعداء النجاح عليها، لا دفاعا عن «الوظيفة» وإنما حماية للأنموذج، ورغبة في خدمة الناس، وإيمانا بان الخدمة واجب، والنظافة «الوظيفية» قيمة محترمة، والمديح «العالي» مجرد تزلف ونفاق.

اذا سألتني: لمن انحاز؟ لإشهار الانجاز ام للتكتم عليه حفاظا على ديمومته، سأجيبك بأنني انحاز للأول مع بعض الحذر، فليس من المقبول ان نحرم مجتمعنا من رؤية بعض الصور «للعافية» التي يتمتع بها او «للأمل» الذي يمكن ان يزيح عنه ظلال الإحباط والشك، وليس من الإنصاف ان «نعاقب» الناجحين بذريعة الخوف عليهم من «نفوذ» حزب «أعداء النجاح»، وليس من الحكمة ايضا ان يبقى انطباع «الفساد» ملتصقا بكل مسؤول، وان تغيب نماذج النظافة والالتزام في الأداء العام لمصلحة تعميم أنموذج «الفشل» وسطوة المحسوبية و»الشطارة» والفهلوة وانتشار «حالة» طرد الموظف الناجح عقابا على نجاحه، وجلب «البديل» المناسب لتجنب «لعنة» النجاح.

مثلما تحتاج مجتمعاتنا الى مواجهة «حزب الفساد» الذي وظف كل ما يملك من طاقات للحفاظ على امتيازاته وتشويه صورة الآخرين الذين تكشفه انجازاتهم ونظافتهم، فإننا –ايضا- بحاجة الى مواجهة «حزب الكراهية» الذي يحاول اغتيال «الجمال» في حياتنا ويصرّ على حرماننا من الاحتفاء بالنجاح واعتقد ان الحزبين وجهان لصورة واحدة... وان هزيمة احدهما ستمنحنا فرصة لبناء مجتمع خال من الضغائن والمفاسد والأحقاد.