في مشهد سياسي فريد من نوعه، باتت وزارة الزراعة بقيادة معاليه أشبه بحديقة تجارب زراعية، ولكن بدلًا من زراعة الخضروات والفواكه، نقوم بزراعة القرارات صباحًا، ثم نجني ثمار التراجعات المثمرة في فترة ما بعد الظهر. يبدو أن الوزارة قد اكتشفت سرًا جديدًا في عالم الزراعة، وهو "التراجع العضوي السريع"، حيث تتحلل القرارات وتتلاشى قبل أن تجد الوقت الكافي لتنفيذها على أرض الواقع.
"أغنام سورية تدخل وتخرج أسرع من البرق": في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ التجارة الدولية، أصدر معالي الوزير قرارًا صباح اليوم بفتح باب استيراد الأغنام من الجمهورية العربية السورية الشقيقة، معلناً عن انفراج كبير في أسعار اللحوم الحمراء. لكن فرحة المستهلكين لم تدم طويلًا، فقبل أن يجف حبر القرار، وقبل أن تتمكن أول شحنة أغنام من عبور الحدود، صدر بيان رسمي بعد الظهر يعلن "تأجيل" القرار "لإجراء المزيد من الدراسات المتعمقة". مصادر مطلعة أكدت لنا أن "الدراسات المتعمقة" استغرقت حوالي ساعة ونصف، وهي مدة كافية لشرب فنجان قهوة وتصفح آخر الأخبار على الإنترنت.
• "إعلام الوزارة في غيبوبة.. أم أنه يمارس التأمل البوذي؟": في ظل هذه القرارات "السريعة التراجع"، يظل إعلام الوزارة في حالة من الغياب التام. لا بيانات توضيحية، لا مؤتمرات صحفية، لا حتى تغريدة يتيمة على تويتر. يبدو أن قسم الإعلام قد قرر ممارسة "الصمت الإعلامي الاستراتيجي"، أو ربما انشغلوا بتعلم فنون "اليوغا الإعلامية" لمواجهة الضغوط الهائلة. أحد الموظفين في الوزارة (رفض الكشف عن اسمه خوفًا من التراجع عن تعيينه!) همس لنا قائلاً: "إعلام الوزارة غايب فيله تقول الطخ عند جيرانا".
"تعديلات التعيينات.فن الارتجال الإداري": ولم يقتصر مسلسل التراجعات على القرارات الزراعية فحسب، بل امتد ليشمل القرارات الإدارية. فقد أصدر الوزير في الأسبوع الماضي إعلانًا "مفصلًا" عن مواصفات وشروط التعيين في وظائف قيادية بالوزارة. ولكن يبدو أن "التفصيل" لم يكن كافيًا، ففي اليوم التالي، صدر إعلان "معدل" يضيف شروطًا جديدة، ويغير المواصفات القديمة، ويوسع نطاق "الخبرات المطلوبة". البعض يرى في هذا "ديناميكية إدارية" فريدة، بينما يرى آخرون أنه مجرد "ارتجال إداري" ينم عن تخبط وعدم وضوح رؤية.
• "الليمون المر.. قصة تراجع بنكهة التحقيق": حادثة أخرى تضاف إلى سجل التراجعات الحافل، تتعلق بقرار منع استيراد الليمون. فقد صرح الوزير قبل أيام بحزم وعزم عن "منع بات" لاستيراد الليمون "حماية للمنتج المحلي". ولكن الرياح جرت بما لا تشتهي سفن "المنع البات"، فبعد ساعات قليلة، تراجع الوزير عن تصريحاته، معلنًا عن "إحالة ملف استيراد الليمون إلى مرجعية رقابية للتحقيق". التحقيق، كما نعلم جميعًا، هو الحل السحري لكل أزماتنا، وهو بمثابة "كبسولة مسكنة" لتخدير الرأي العام.
• "تشكيلات إدارية.. ذهاب وعودة في لمح البصر": ولكي يكتمل المشهد العبثي، لم ينس الوزير أن يمارس هوايته المفضلة في التراجع عن التشكيلات الإدارية. فقد أصدر قرارًا بتشكيل لجنة "مهمة" لدراسة "تطوير" القطاع الزراعي. ولكن قبل أن يجتمع أعضاء اللجنة للمرة الأولى، وقبل أن يتبادلوا حتى أرقام هواتفهم، صدر قرار آخر "بإلغاء" التشكيلة "لأسباب غير معلنة". البعض يهمس بأن السبب الحقيقي هو أن الوزير تذكر فجأة أنه لا يحب كلمة "تطوير"!
يبدو أن معالي وزير "الزراعة" قد نجح في تحويل وزارته إلى مسرح للعبث السياسي، حيث تتنافس القرارات والتراجعات في سباق محموم للفوز بلقب "الأسرع والأكثر تقلبًا". وبينما يراقب المواطنون هذا المشهد الكوميدي السوداوي بذهول، يبقى السؤال الأهم: متى ستتوقف هذه المهزلة؟ وهل سيأتي اليوم الذي نرى فيه قرارات زراعية "راسخة" كأشجار الزيتون، بدلًا من قرارات "موسمية" كأزهار الربيع، سرعان ما تذبل وتتساقط؟ نتمنى لمعالي الوزير التوفيق في "تراجعاته" القادمة، وللقطاع الزراعي الصبر والسلوان.