الإصلاح في بلدنا حديث الساعة، والأردنيون يتفقون على ضرورة إجراءات إصلاحات تطال مختلف المجالات وصولا إلى تحقيق التنمية المنشودة وتجاوز المعضلات القائمة، وتمهيدا للاستحقاقات المسقبلية، ويبدو أن الواقع الوطني محمل بالتحديات والمشاكل المتشعبة التي يفترض البدء بمعالجتها والتخفيف من حدتها؛ فهناك ارتفاع نسب الفقر والبطالة، وتراجع الخدمات العامة، والفساد المالي والإداري، والضعف العام في الإدارة، إلى جانب الإشكاليات الثقافية والاجتماعية التي تعصف بمجتمعاتنا، وحيث أن الجميع يدلي بدلوه ويقدم مقترحات لتنفيذ تلك الإصلاحات، وفي هذا السياق انبثقت لجنة تحديث المنظومة السياسية ولا زالت تعقد لقاءاتها وحواراتها هنا وهناك؛ من أجل الخروج بوصفة إصلاحية تشمل الجوانب السياسية بالدرجة الأولى.
يمكن رسم خارطة إصلاح وطنية وتحديدها وفق معايير أبرزها؛ مدى تحقيقها للعدالة والمساواة والحرية في الوصول للفرص والانتفاع من الموارد والسيطرة عليها وفق أنماط اقتصادية عادلة، مدى تحقيقها لمفهوم المشاركة الشعبية في مختلف المجالات، مدى تحقيقها للحريات العامة وحقوق الانسان، مدى تعبيرها عن هوية الدولة الأردنية كدولة عربية حديثة تشتبك مع قيم الحداثة بشكل إيجابي، مستوى ارتكازها إلى التكنولوجيا الحديثة في كافة المجالات ومعايير أخرى جميعها يصب في رسم ملامح واضحة لتلك الخارطة.
وفي هذا السياق يكثر الحديث عن أولويات عملية الإصلاح سياسية أو اقتصادية أو إدارية أو قضائية، ولعل الأوراق النقاشية الملكية رسمت ملامح واضحة لكل مجال، وحددت أبرز الأولويات، لكنها لم تأخذ حقها في الحوار والنقاش أو في التشريع، إذ لو تمت عملية تشريع مضامين تلك الأوراق منذ صدورها ومناقشتها، لتمكنا من إيجاد بيئة ملائمة وقاعدة صلبة تنطلق من خلالها عملية الإصلاح بكل سهولة.
يمكن وضع رؤية لتحقيق الاصلاح في الاردن من خلال ثلاث استراتيجيات، الأولى في الجانب الاقتصادي وتشكل تدخلات فوقية تحكم قبضتها على ملف الثروة الوطنية، وترفع القيود وتتيح التنافس الحر، وذلك من خلال تحرير السوق ومكافحة الاحتكار، وخلق سياسات اقتصادية تحقق الرفاه الاجتماعي وفق قاعدة الكفاءة والقدرة، وتوفير حزمة أمان اجتماعي لذوي الدخل المحدود والفئات الضعيفة في المجتمع، وتعديل قانون الاستثمار وإلغاء القيود البيروقراطية والأسباب المعوقة لجذب الاستثمار وتوسيع نطاقه ليشمل الاستثمار في القطاع الزراعي والقطاعات الخدمية، وإيجاد مبدأ الضريبة التصاعدية، وإعادة النظر بالسياسات المالية التي تعيق دورة الانتاج لصالح المؤسسات المالية والاقراضية، وإيجاد معادلة منصفة للشراكة ما بين القطاعين العام والخاص؛ شراكة حقيقية تضمن رفع كفاءة الأول وتعزيز فرص الثاني.
من المهم إلغاء النظام البيروقراطي الإداري المعيق للتنمية واستبداله بنظم ادارية ذات كفاءة وفاعلية ترتكز على التكنولوجيا الحديثة وبأقصر الخطوات والإجراءات، وفي المجال القضائي يفترض العمل على تطبيق ما ورد في الأوراق النقاشية حول إصلاح القضاء والذي لم نلحظ أية إجراءات متعلقة بهذا الأمر، أما في الجانب السياسي فاقترح تأسيس عتبات أولية تمنح الخبرة للجيل الشاب ليكون قادرا على المشاركة الفاعلة في الشأن العام، ومن هنا ينبغي أولا تمكين مؤسسات الحكم المحلي والتخفيف من حدة الربط المركزي مع العاصمة، وتعديل قانون سجل الجمعيات ليتيح حرية تأسيس الجمعيات بدون قيود، ويكون ذلك تمهيدا للولوج نحو المجال السياسي الذي ينبثق اصلا من المجتمع المدني والذي سيتطور طبيعيا بدون أية مشاكل، أما في الجانب الثقافي والتعليمي يمكن احداث ثورة ثقافية من خلال تغيير معطيات العملية التعليمية والتربوية؛ بحيث تكون منسجمة مع العصرنة وبما يقترب من القيم المجتمعية الإيجابية، أما في الجانب السياسي فينبغي تعديل قوانين الانتخاب والأحزاب لتتيح لعامة المواطنين مزيدا من المشاركة الفاعلة دون أية تبعات أو مشاكل وفق رؤية تضع في اعتبارها الواقع الاجتماعي والثقافي والديمغرافي للبلد.
الدستور