تتجه الأنظار في الأردن إلى واحد من أخطر الملفات الاقتصادية والمالية، بعدما تكشفت معطيات صادمة حول ممارسات شركات تعمل في مجال التداول بالبورصات الأجنبية داخل المملكة، وسط مؤشرات على فضيحة مالية ستطال مدخرات ما يزيد على ربع مليون مواطن أردني.
ووفق معلومات خاصة حصل عليها موقع صوت عمّان، فإن عدداً من هذه الشركات تمارس أنشطة يصفها خبراء بأنها "أشكال من الاحتيال المنظم"، من خلال التلاعب بحسابات المستثمرين بطرق احترافية معقدة، ما أدى إلى خسائر هائلة تجاوزت مئات الملايين خلال الأعوام الأخيرة، وأفقد آلاف الأردنيين الجزء الأكبر من أموالهم.
بيانات رسمية كشفت عن قفزة خطيرة في حجم الخسائر؛ إذ بلغت خسائر الأردنيين عبر هذه الشركات 194.8 مليون دينار عام 2023، لترتفع في 2024 إلى نحو 222 مليون دينار، أي بزيادة تقارب 14% خلال عام واحد فقط.
ويُقدر عدد الأردنيين المتعاملين مع البورصات الأجنبية بنحو 234 ألف مستثمر، وهو رقم قياسي يعكس حجم التوسع في هذا النشاط، ويضع آلاف الأسر أمام مخاطر مالية مباشرة تهدد استقرارها الاقتصادي.
تشير المعلومات إلى أن بعض الشركات المرخصة في الأردن ترتبط مباشرة بوسطاء أجانب ضمن نفس المجموعة المالية، في ظل غياب قيود تشريعية صارمة تمنع تضارب المصالح أو تضمن حماية حقوق المستثمرين.
وتؤكد وثائق اطّلع عليها صوت عمّان أن هيئة الأوراق المالية تلقت منذ مطلع عام 2025 وحتى الآن 8 شكاوى رسمية ضد هذه الشركات، غير أن تقدير القيمة المالية للأضرار ما يزال غامضاً نتيجة صعوبة تقييم الخسائر الفردية.
ورغم محاولات الهيئة تعديل بعض الإجراءات الاحترازية مثل تحديد سقف الرافعة المالية ومنع انقطاع الاتصال مع الشركات، إلا أن الرقابة ما تزال ضعيفة للغاية. فعدد موظفي مديرية البورصات الأجنبية لا يتجاوز خمسة أشخاص بمن فيهم المدير، مع محدودية الموارد وعدم القدرة على تشغيل أنظمة رقابية متقدمة، ما يجعل التفتيش الميداني والمكتبي غير كافٍ لحماية المستثمرين.
الأخطر أن بعض الشركات غير المرخصة تمارس نشاطها داخل الأردن دون أي رقابة، ولا تُكتشف إلا بعد وقوع أضرار، ليجري تحويلها لاحقاً إلى الادعاء العام.
وبحسب مصادر مطلعة، فإن هذه الشركات لا تسهم بأي شكل في دعم الاقتصاد الوطني؛ إذ تجري عملياتها وتحويلاتها المالية خارج الأردن، وغالبا ما لا تدفع الضرائب، فيما يتحمل المواطن الأردني وحده الخسائر الفادحة الناتجة عن ممارساتها.
وتشير المعلومات إلى أن بعض الشركات لجأت مؤخرا إلى تسويات سرية مع متضررين بهدف تجنب فضائح علنية قد تهدد سمعتها في السوق.
وفي بيان رسمي صدر الجمعة، دعت الهيئة الأردنية المواطنين والمستثمرين إلى توخي أقصى درجات الحذر عند التعامل مع شركات التداول الأجنبية، مشددة على ضرورة التحقق من التراخيص عبر القنوات الرسمية، وعدم الانجرار وراء إعلانات إلكترونية أو مواقع وهمية تستهدف الإيقاع بالمستثمرين.
وأكدت الهيئة أنها ستتخذ كافة الإجراءات القانونية لحماية حقوق المستثمرين وضمان سلامة السوق المالي، محذرة من جهات تروج لأنشطة استثمارية وهمية تستهدف الأردنيين عبر الإنترنت.
ملف ساخن بانتظار الكشف
من المنتظر أن يفتح صوت عمّان قريباً ملفا موسعا حول إحدى أبرز الشركات العاملة في هذا القطاع، والتي خسرت قضايا لصالح متداولين أردنيين، الأمر الذي قد يفضح المزيد من الممارسات المخالفة، ويضع هذا الملف مجددا تحت مجهر الرأي العام وصناع القرار.