أ. د. ليث كمال نصراوين*
أعلن جلالة الملك خلال لقائه رئيس وأعضاء مجلس أمناء المركز الوطني لحقوق الإنسان قبل أيام بأنه قد وجه الحكومة لمراجعة قانون ضمان حق الحصول على المعلومات الحالي رقم (47) لسنة 2007، وذلك من أجل كفالة حق الجميع في الحصول على المعلومة الصحيحة والدقيقة بشكل يسهم في الرد على الإشاعات والأخبار الكاذبة، والتي جرى التشدد في تجريمها في قانون الجرائم الإلكترونية الجديد لعام 2023.
إن الحق في الحصول على المعلومات يعتبر من الحقوق الأساسية التي جرى الاعتراف بها للأفراد على الصعيدين الدولي والوطني. فكل من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية يؤكدان على حق الأفراد في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين بأية وسيلة كانت، ودونما اعتبار للحدود.
وعلى الصعيد الوطني، فإن الأساس الدستوري لطلب الحصول على المعلومات يرتبط بالمادة (17) من الدستور، التي تعطي الحق للأردنيين في مخاطبة السلطات العامة فيما ينوبهم من أمور شخصية أو فيما له صلة بالشؤون العامة بالكيفية والشروط التي يعينها القانون، حيث يعتبر من صور وأشكال تواصل الأردنيين مع السلطات العامة حقهم في طلب المعلومات وتلقيها منهم، وتناقلها إلى الغير بما يتوافق مع أحكام القانون.
ومن خلال استعراض نصوص قانون ضمان حق الحصول على المعلومات، نجد بأنها قد تضمنت العديد من النصوص الإجرائية والموضوعية ذات الصلة بطلب المعلومات والوثائق من الوزارات والدوائر الحكومية والسلطات والهيئات والمؤسسات العامة والرسمية. فقد أنشأ القانون لهذه الغاية مجلسا حكوميا بامتياز سمي "مجلس المعلومات" برئاسة وزير الثقافة، وعضوية كل من مدير عام دائرة المكتبة الوطنية بصفته مفوضا للمعلومات، وعدد من الأمناء العامين، ومدير عام دائرة الاحصاءات العامة، ومدير عام مركز تكنولوجيا المعلومات الوطني، ومدير التوجيه المعنوي في القوات المسلحة، بالإضافة إلى المفوض العام لحقوق الانسان.
إن وجود المفوض العام في تشكيلة مجلس المعلومات يتنافى مع الدور الرقابي المناط به بموجب المادة (19) من قانون المركز الوطني لحقوق الإنسان، والذي يشمل مراقبة التجاوزات والاعتداءات التي تقع على حقوق الانسان، ومن ضمنها الحق في الحصول على المعلومة، وتلقي الشكاوى واجراء المتابعات اللازمة بشأنها .
فلا يستقيم مع المنطق القانوني أن يكون المفوض العام عضوا في مجلس المعلومات وأن يشترك في إصدار القرار بإعطاء المعلومة من عدمها، وفي الوقت ذاته أن ينظر في الشكاوى المقدمة من الأفراد حول الاعتداء على حقهم في الحصول على المعلومات من مصادرها الرسمية.
وفيما يخص إجراءات الحصول على المعلومة، فإن المادة (7) من القانون قد أعطت الحق لكل أردني في طلب المعلومات التي يريدها، شريطة أن تكون له مصلحة مشروعة أو سبب مشروع. إلا أن هذه المصطلحات التي استخدمها القاون الحالي لتبرير الحصول على المعلومة يمكن وصفها بأنها واسعة وفضفاضة تعطي الدائرة أو المؤسسة الحكومية المعنية سلطة تقديرية واسعة في رفض طلب الحصول على المعلومة.
ويُقدم طلب الحصول على المعلومات وفق النموذح المعتمد لهذه الغاية، حيث تشترط المادة (9) من القانون أن يتضمن الطلب اسم مقدمه ومكان اقامته وعمله وموضوع المعلومات التي يرغب في الحصول عليها بدقة ووضوح. وقد ألزم القانون الحالي "المسؤول" – الذي هو رئيس الوزراء أو الوزير أو الرئيس أو المدير العام للدائرة – بالإجابة على الطلب أو رفضه خلال ثلاثين يوما من اليوم التالي لتاريخ تقديمه. وهذه المدة الزمنية للبت في الطلب تعتبر طويلة نسبيا، إذا ما قورنت بأهمية الحق في الحصول على المعلومة.
ويبقى الحكم التشريعي اللافت للنظر في القانون الحالي أن امتناع "المسؤول" عن الرد على طلب الحصول على المعلومات خلال المدة الزمنية المحددة أعلاه يعتبر قرارا بالرفض، وهذا الأمر يسمح للمسؤول بأن يتجاهل الطلب أو يهمله لغايات مرور المدة المقررة بالقانون، وذلك لكي يعتبر الطلب عندئذ مرفوضا حكما.
وما يعزز من أهمية مراجعة أحكام القانون الحالي أنه قد توسع في المادة (13) منه في المعلومات التي يُحظر على المسؤول الكشف عنها لتشمل الوثائق المتعلقة بالأمن الوطني والسياسة الخارجية، والمراسلات والمعلومات المتبادلة بين الإدارات الحكومية المختلفة حول التوصيات والاستشارات التي تقدم للمسؤول لغايات اتخاذ القرار بشأنها، والمراسلات ذات الطبيعة الشخصية والسرية سواء كانت بريدية أو برقية أو هاتفية أو عبر أي وسيلة تقنية أخرى مع الدوائر الحكومية والاجابات عليها، والمعلومات ذات الطبيعة التجارية أو الصناعية أو المالية أو الاقتصادية.
إن اتساع هذه المصطلحات والمفاهيم الواردة في المادة (13) من القانون يعطي الحق للمسؤول برفض معظم طلبات الحصول على المعلومات بحجة ارتباطها بأي من هذه الاستثناءات، بشكل أفرغ هذا الحق الدستوري من جوهره ومس بأساسياته.
إن الحاجة ماسة إلى أن تبادر الحكومة إلى التقاط التوجيهات الملكية السامية، وأن تعمل على تعديل القانون الحالي بما يضمن حق الأردنيين في الحصول على المعلومات التي يرونها مناسبة لهم ضمن إطار المصلحة العليا للدولة.
* أستاذ القانون الدستوري في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية