المرأة هي مكوّن أساسي من مكونات المجتمع الذي لا يقوم الآّ بها ولأجلها، هي هدية من الله، فعظمة الرجل من عظمة المرأة، وعظمة المرأة من عظمة نفسها، هي أقرب الكائنات إلى الكمال، هي مجموعة نساء بواحدة، ما دفعني للكتابة عن هذا الموضوع أمران مهمان: الأول طلبت مني بعض الطالبات بالجامعة تسليط الضوء على المرأة الأم العاملة وطالبة العلم على مقاعد الدراسة بمنتصف العمر وبمرحلة تجددت بهن الحيوية والنشاط رغم التحديات التي تواجههن لتحقيق التوازن المطلوب بين بيتها وعملها ونفسها وتحمل المسؤولية الملقاة على عاتقها على أكمل وجه، الأمر الذي زاد من شعورهن بالتوتر وأصبحن عرضة للإكتئاب والإحباط لقيامها بعدة أدوار يجب القيام بها لكي لا تفقد ما سعت إلى بناؤه على مدار سنين عدة، والأمر الثاني هو سماع فيديو مبالغ فيه عن مفهوم الجندر ( النوع الإجتماعي).
سأتحدث عن بعض الأمثلة لطالبات مجتهدات قمت بتدريسهن العديد من المواد في الجامعة وأَكاد أُجزم أنني عندما أُصحح دفاتر إجاباتهن أعرف كم علاماتهن، تعرضن لصعوبات وتحديات أثناء عملهن ودراستهن في الجامعة، جاءت عندي إحداهن تقدم إعتذارها لمحاولتها الغش في أحد الإمتحانات، وأنا بدوري ولمعرفتي بالطالبة وأخلاقها وإجتهادها منعتها من الغش دون إشعار أحد في القاعه وأكملت الإمتحان، ليقيني التام بأن هناك سبب جوهري لما قامت به، جاءت لمكتبي معتذرة وطلبت أن لا أُغيّر نظرتي لها لأنها تتعرض إلى مضايقات من زوجها بإحداث فوضى لها بالبيت وإزعاجها بالموسيقى، أو بدعوة أقاربه للطعام أيام الإمتحانات لعدم رغبته بإتمام دراستها.
طالبة أخرى شرحت لي معاناتها مع أهلها، وكم من التضييق الذي يُمارس بحقها من منعها الخروج مع صديقاتها كونها مطلقة، ومنعها من إحتضان أبنائها بحجة أن أبوهم أولى بهم، وأنهم تفضلوا عليها عندما سمحوا لها بالخروج للعمل والدراسة، ومطلوب منها أن تجتهد دون الأخذ بعين الإعتبار الحالة النفسية بمنعها رؤية ومجالسة من تحب.
طالبة أخرى أسّرت لي بأنها تعتني بأبنائها المريضين وتتحمل مصاريف العلاج والدراسة بالإضافة الى العمل وتحقيق التوازن وإستغلال الوقت للقيام بكل ما هو مطلوب منها لتحقيق هدفها وتحسين وضعها الإجتماعي والمادي.
وأخرى تشرح لي ما تعانيه بعملها من مسؤولها المباشر الذي لا يتعاون معها وقت الإمتحانات بأخذ اجازة، بحجة ضغط العمل رغم عدم تقصيرها ووجود البديل، فقط لأنه أناني لا يحب إلآ نفسه، وهؤلاء نصادف منهم أحيانا من يرى إمرأه ناجحة وشخصيتها قوية تتحدى الصعاب، يحاربها بكل قوته لكي لا تتّرقى وتأخذ مكانه.
يوجد الكثير من النساء المضطهدات في المجتمع واللواتي لا يُفصحن عن ظروفهن خشية من العقاب أو الحرمان أو التعرض إلى مشاكل هُنّ في غنى عنها من وجهة نظرهن، وأنا لست مختلفة عنهن، فقد تعرضت لمضايقات في حياتي وتحديات في مسيرتي الشخصية والعلمية والعملية، إلآ أن الفرق من يقبل ومن يقف بوجه أي تحدِّ ليكون أقوى، فالضربة التي لا تكسر تُّقوي وتُكسب خبره ونضج، أنا وغيري من نساء العالم أمهات كنا أم لا، موظفات وطالبات علم في منتصف العمر فالكثير منّا أكمل دراساته وحصلنا على شهادات عليا بعدما كَبُر أبناؤنا، لتحسين وضعنا الإجتماعي والمالي والنفسي وتحقيق وإثبات ذاتنا، لأننا على يقين بأهمية العلم فهو سلاح يذلل الصعوبات الحياتية ويقلل من المعاناة والألم النفسي الناتج عن قلة الفرص في زمن يعاني نزيف وأوضاع إقتصادية صعبة وبطالة.
لم تعد المرأة تكتفي بأن تكون خريجة جامعية، أصبحت ملزمة لإثبات نفسها وإمكانياتها في عالم ذكوري ينظر للمرأه أنها إذا تأخرت بالزواج فاتها القطار، وإذا تطلقت أنها السبب، فأصبحت تشعر بمشاعر متناقضة تريد أن تتزوج وتُنجب قبل فوات الأوان فتختار الرجل غير المناسب، ويكون زواج غير متكافئ ويقع الطلاق، بالإضافة إلى صعوبات تعيين المرأه الأم، الذي يسبب تأخر الإنجاب والعمل لساعات طويلة أو للسفر، فتبدأ رحلة الشعور بالذنب لترك أطفالها، ونتيجة لما تعانيه النساء وما ترغب به يظهر الفرق بين النساء المتحديات القويات اللواتي يذللن كل الصعوبات لأنهن يثقن بقدراتهن وتحقيق ما يريدون ولو بالحد الأدنى فالكمال لله، وبين المستضعفات اللواتي لا حول لهن ولا قوة.
ما ذكرته هو جزء من معاناة بعض النساء، وكان لا بد من التطرق سريعا لمفهوم النوع الإجتماعي الذي أستغرب الفهم الخاطئ له، وقد كنت أحد المدربين في هذا الموضوع في أكثر من دولة، وكنت ضمن إتحادات ونقابات شجّعت على نشر هذا المفهوم (الجندرة) الذي لا يبحث بفزيولوجية وبيولوجية الذكر والأنثى، بل في دور الفرد في المجتمع ذكراً كان أم أنثى، من حيث الأعمال التي يقوم بها كل منهم، وهذا لا يعني التغيير الجسدي لأي منهما أو ما يسموه البعض النوع الثالث، بل هو تغيير الصورة النمطية للأعمال التي يقوم بها كل منهم والأدوار وليس تكسير وتفتيت الأدوار فهي ليست لها علاقة بالقيم والمبادئ التي تقوم عليها الدولة والأُسر الأردنية والعربية إجتماعيا وإقتصاديا ودينيا وليست تلاعب بفكر الإنسان وروحه وجسده.
فلا ضرر من توزيع الأدوار بين الجنسين وتقاسمها في زمن أصبحت المرأة فيه هي الركن الأساسي في تحمل مسؤولية مصاريف الأسرة وإعالتها، لا أقصد المساواة التامة التي تتعارض مع الشريعة، فهناك ثوابت لا يجب النقاش بها، إنما الأمور الحياتية التي تستوجب الإستقرار وتجلب الراحة والسعادة للجميع.