تطور الحكم التمثيلي في الأردن، خلال فترة الإمارة 1921- 1946 من مجالس تشريعية يعين نصفها من قبل الحكومة، إلى مجالس منتخبة انتخابا كاملا بعد الاستقلال، عبر مجالس النواب التسعة عشر التي جاءت من خلال عدة قوانين، واليوم نحن ننتظر ولادة قانون جديد يؤسس لحياة حزبية أفضل ويؤطر وجود الأحزاب في البرلمان.
منذ العام 1990 وعودة الحياة الديمقراطية كان هناك مطالبات بمنح الأحزاب كوتا في قانون الانتخاب، وتمّ تشريع أكثر من قانون انتخاب وأحزاب، تباينت النتائج وحصلت الأحزاب على دعم حكومي خلال عشر سنوات ماضية، ولم يتحقق كبير أثر.
اليوم ينشغل الناس بمخرجات لجنة التحديث السياسي وتوصياتها، وإذ انبرى البعض من العقول المحترمة لمناقشة المخرجات بعقلانية، إلا أن الانتقادات، والرؤى المغايرة للمخرجات، تُظهر ردود أفعال مختلفة وتصريحات، كأنها تريد البقاء على ما نحن به أو التعديل أو نبذ المخرجات، التي للأسف لا تجد اليوم حتى من الذين شاركوا بها جهدا في الدفاع عنها، إلا من قلة قليلة.
بالنظر لوقعنا اليوم، لا يفترض أن مخرجات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية هي المآل النهائي، لكنها كانت حصيلة جهد كبير وتعب ونقاش مستفيض وآراء مؤيدة ومخالفة لبعضها، ولم تكن مغلفة بوصفة جاهزة أو نتيجة لحصيلة جمع المخاوف والنوايا. بل كانت مخرجًا لممارسة ديمقراطية في التصويت عليها، ومع ذلك تظل حتى الآن اجتهادًا، وهو بيد مجلس الأمة.
اليوم من المهم الدفاع عن تحسين مخرجات اللجنة والتقدم بها للأمام، لا نبذها او تكسيرها او التندر عليها، بحجة عدم جهوزية المجتمع او عد قابليته للإصلاح بحجة انه محتقن او فاقد للثقة وان المناخ مليء بالغيم.
للأسف دومًا هنام من يقلق، ودومًا هناك من يصمت ويعود للنقد، ويتحصن بمخاوف الناس بالنيابة عن الشعب وعن مصائره، في حين ان الشعب دوما والشعوب عامة لا تنتج ديمقراطياتها إلا بعد ظروف مليئة بالقلق والجوع والفقر والتحديات الكبيرة.
لم يكن تحول العام 1989 نتيجة للرغد والرفاه، بل كانت نتيجة حتمية للاحتقان والغلاء وبعد الحكومات عن الناس والدين العام المرتفع وانتشار الفساد، ومع ذلك عبرت إرادة الناس في ظل تعاسة ظروفهم بأفضل صورها عبر مسيرتنا الوطنية لمجالس النواب.
نعم نريد ديمقراطية أحزاب تتضمن اقتراعًا عامًا حرًا، واحزابًا خارج البرلمان وداخله، ومنظومة قيم تحمي الحرية، وهوية موحدة جامعة، ووسائط اعلام مستقلة لا تابعة، ونزعة دستورية عالية، نريد برلمانا مفوضا شعبياً لا برلمان الحشوات، ومجلس اعيان يكون ثقيلا ووازنا ممتلئا بالحكمة والتجربة الوطنية.
نعم للدفاع عن مخرجات التحديث السياسي باعتبارها جزءا من رؤية لمستقبل أفضل، وهي لا تكتمل إلا بحكومات قوية وحريات أكثر وفساد اقل وتنمية عادلة.
صحيح أن اللجنة واجهت حرباُ كبيرة من أن شكلت إلى أن انتهت اعمالها، لكنها تجاوزت الكثير، وقدمت ما قدمته، وكانت الكثير من المواقف منها انطباعية وعامة، والصورة غير واضحة عن مخرجاتها، وهي اليوم إذا انجحت في اعتراض كل ما واجهته، فإنها تعيد بعض الوجوه والآراء للساحة العامة والنقاش السياسي، وهذا دليل نجاعة وقوة لما نتج عنها وما شكله من إثارة للعقل السياسي الأردني.
ليست مخرجات اللجنة تطلب الثقة من الجمهور، ولا تريد الشعبوية ولا القول بأنها الجواب المفيد لكل اخطائنا، أو هي طريق نهضتنا الوحيد، بل هي جهد واجتهاد يحتمل التطوير والتعزيز والتعديل لما فيه خير العباد والبلاد.