لماذا لا يكون للاعلام الرسمي اعلام موازٍ يؤدي مهمات خاصة في ظروف معينة ولاهداف محددة تبعاً لكل حالة او حاجة، ومن قال ان الدول الديمقراطية تنازلت عن اعلام الاشاعة والدس امام هجمة ما يعرف باعلام ( السوشال ميديا ) بعد سنوات من الانكار والتجاهل لهذا الغول الذي يرعب السياسيين والأمنيين والاقتصاديين ومن هم في مواقع المسؤولية وحتى الاعلاميين لجرأته وقدرته على التسلل الى عقول العامة بسهولة ويسر معتمداً على شغف الناس بالاثارة دون النظر الى صدقية المعلومات ؟
مشكلة الاعلام الرسمي انه جاد وملتزم بالاداب والاخلاقيات لدرجة الملل وعلى هذا الاساس يحظى بالمديح والثناء حتى لو لم يقرأه او يسمعه او يشاهده مادحوه، وسواء تعلق الامر بالنص المكتوب او المقروء او المرئي على شاشات التلفزة، فأنه يصل المتلقي بلغة خشبية فلا يعلق في ذهن المتلقي غير صورة كاتب النص او قارئه متجهماً يتلو خطاب الدولة هو ذاته منذ خمسين سنة بشيء من عدم الثقة والغياب الكامل للتعابير المعززة للمصداقية بالتأثير من خلال لغة الجسد التي تغيب عن شاشاتنا ووجوه مذيعاتنا ومذيعينا، لكنها تظهر بأقصى درجات الانفعال في فيديوهات الشغب الاعلامي وتترك اثارها على الناس لان نصف الأثر الذي تتركه الكلمة في كيفية قولها وليس فقط في معناها، ومع قناعتنا بالحاجة الى شيء من الانفتاح بتغيير تقاليد صياغة النصوص واسلوب قراءتها وعرضها، لا زال الاعلام الرسمي يخضع نفسه للمحاسبة على نحو يبقيه اسير الكلمة المنتقاة بعناية حتى لا تفهم خطأ، وهنا يبرز عامل الخوف من سوء الفهم وكثرة التفسيرات والتأويل، وهذا منطقي ومقبول بكل المعايير المهنية في حال سقط الخطأ سهواً وعن غير قصد او بسوء تدبير، لكنه لن يكون كذلك اذا تمت صناعته بعناية وتوجيه صحيح وبلغة سهلة مع الاخذ بعين الاعتبار عناصر التشويق ومن بينها السخرية من اجل الوصول الى الغاية المنشودة، في هذه الحالة سنضع المعلومة في رأس المتلقي وسيعرف ما نريده ان يعرف لتهيئته لقناعة نسعى اليها كل يوم ونخوض من اجلها سباقاً محموماً مع اعلام المواطن المنتصر على الحقيقة بالنكتة والكذبة.
لست اقترح ممارسة الاعلام الرسمي للاثارة من اجل الوصول الى الرأي العام والتأثير فيه ،لكنني اعترض على الاعلام الرسمي بشكله الحالي ومقتنع أن ثمة اذرع اخرى يجب ان تخدم الحقيقة حتى لو صنعت الاشاعات وروجتها من اجل الهدف الأسمى، كما انني مؤمن بأن بعض المهمات الاعلامية الكبرى لن تكتمل بدون نفحة اثارة تجعل منها مستساغة عند القارئ او السامع والذي لا يتردد في بناء موقفه استناداً الى المعلومة القصيرة الساخرة وسهلة الاستيعاب حتى لو كانت مجرد كذبة لا تستند الى واقع او منطق، فما بالكم بالمهمات الاعلامية الضرورية والتي تتعرض للشغب الاعلامي الموازي والتشويه والتكذيب من قبل اعلام المواطن (السوشال ميديا)، فلال تصل المتلقي الا مهزومة او مأزومة لانها تفتقر الى التشويق في حده الادنى .
ليس من قبيل اللهو تلجأ دول عديدة الى الاعلام الموازي لتحقيق اهداف كبيرة بحجم تغيير قناعات الناس بفكرة او معلومة ترسخت لدى الجهور جذورها اشاعة أطلقها شخص واحد ونقلها عنه شخصان ثم اربعة ثم عشرة وهكذا ظلت تكبر مثل كرة الثلج الى ان اصبحت ( قناعة) متداولة عند العامة وبنيت على اساسها المواقف الغاضبة والتي طرحت ثماراً فاسدة من عدم الثقة والشك والتخوين وجميعها اورام كفيلة باضعاف الدولة وتفكيكها مع مرور الوقت وكثرة الهزائم الاعلامية، ومن قبيل الوقاية يجب الشروع في مواجهة الاشاعة مهما بلغت من السطحية بتنفنيدها والكذبة مهما بلغت من التفاهة بنفيها وتقديم الرواية التي تنسفها وباللغة التي يفهمها المتلقي ما دامت طريق الحقيقة وعرة وطويلة امامه وامام الجمهور الغائب او المغيب برغبة منه وبدافع من نزعته الجديدة نحو تصديق الكاذب والمفتري وكل من يعادي مؤسسات الحكم، واذا وجد الحقيقة في خطاب الدولة انكرها وعاد الى منصات الدجل لانها بكل بساطة تشفي غليله وتخاطبه على قدر ومستوى تفكيره وتتحدث باسمه وتدافع عن مصالحه حتى لو لم يكن هو ذاته على حق في مطلب او مظلمة.
علينا الا نتجاهل حقيقة وجود اعلام مواز ومؤثر لا يكتفي بصناعة الرأي العام، بل نجح في توجيهه ايضاً وغلب الاعلام الرسمي الملتزم بقول الحقيقة نصاً وروحاً دون الانتباه الى اهمية تغيير الاسلوب والمنهج في تقديم كل معلومة بما تستحق من اكتراث واهتمام، وضرورة ان تكون جميلة الشكل ولذيذة الطعم والا ترمى بوجه المتلقي ملفوفة بقطعة خيش وبخطاب آمر تربوي يقول له بفظاظة ( اذا مش عاجبك اشرب البحر الميت ) .