نقلت صحيفة عن مسؤولين في سلطة المياه نيتهم المضي في تنفيذ مشروع لتحلية مياه البحر الأحمر (300 م م م سنوياً) لنقلها إلى محافظات المملكة للاستهلاك المنزلي، ويأتي هذا الإعلان في أعقاب إعلان البنك الدولي إزاحة مشروع قناة البحرين من قائمة المشاريع التي لديه. ودخول البنك الدولي على مشروع البحرين كان بناء على اقتراح كاتب هذه السطور في أواخر شهر آب 1994 في اجتماع ترأسه الوفد الأميركي لمفاوضات السلام عقد في وزارة الخارجية الأميركية.
تنافس مشروعان يهدفان إلى رفع منسوب مياه البحر الميت لجني فوائد عديدة منها تحلية المياه لأغراض الاستعمال المنزلي والحفاظ على النظام البيئي للبحر الميت، وكذلك وقف استنزاف المياه الجوفية من الخزانات الواقعة في الهضبة الأردنية وتلك الواقعة في الهضبة الفلسطينية، ومنع تكوّن الحفر الانهدامية في الأغوار الجنوبية وفي الجانب الغربي من البحر، ومن أجل المساهمة في تطوير وادي عربة.
كان كاتب هذه السطور من أقدم على كتابة معالم المشروع الكبير لتطوير الأخدود تطويراً متكاملاً وافقت عليه لجنة التنمية الوزارية في مساء أخر يوم من شهر شعبان 1994 وحمله كاتب هذه السطور وقدم الفكرة والمشروع الكبير إلى اجتماع للجنة الثلاثية التي تشكلت بعد انفراط عقد مؤتمر المفاوضات الثنائية إثر اتفاق أوسلو في أيلول 1993. وأعجب الجانب الأميركي بالفكرة والمشروع الذي كان من بين مكوناته ريط البحر الميت بالبحر الأحمر. وتلا ذلك منافسة بين مشروع إسرائيلي يستجر مياه البحر المتوسط من خلال نفق تحت جبل الكرمل في حيفا إلى أنابيب تعبر مرج إبن عامر وتسقط المياع عند بيسان للتحلية ورمي فضلات تلك التحلية في نهر الأردن لتجري إلى البحر الميت.
وبعد منافسة شديدة عقدت خلالها جلسات في ضفاف البحر الميت وفي بلدة إلى الجنوب الشرقي من فرانكفورت بألمانيا تفوق المشروع الأردني على قبيله الإسرائيلي، واعتمد في الاجتماع الثلاثي المشار إليه في أب. وكان كاتب السطور قد كتب الشروط المرجعية للخدمات الاستشارية الأولية تم تبنيها من قبل الأطراف الثلاثة، وسأل رئيس الوفد الأميركي عن الخطوة اللاحقة، وأجابه كاتب هذه السطور أن نستخدم طرفاً يمثل كلا الفريقين، الأردني والإسرائيلي، ليقوم مقام صاحب العمل كي يتعاقد مع المستشارين نيابة عن أصحاب العمل وبتوكيل منهما، واقترح اختيار البنك الدولي ليقوم مقامهما، وتم الاتفاق على ذلك وتوكيل البنك الدولي. واقتصر دور البنك في المشروع بمساعدة القائمين عليه إدارياً وليس كممول.
ثم استدرج كاتب هذه السطور منحة على غير حساب الأردن من وكالة تطوير التجارة الدولية الأميركية مقدارها مليون دولار، وتم اختيار مشترك للمستشارين وقاموا بدراسة معقولية الفكرة ومشاريعها وقدموا تقريرهم في شتاء 1997. واحتوت معاهدة السلام على مادة خاصة بالمشروع هي المادة 20. وأبرم كاتب هذه السطور نيابة عن الجانب الأردني اتفاقاً مع نظيره الإسرائيلي أرئيل شارون اتفاقاً لتنفيذ المشروع كإحدى ثمرات السلام يمول كلفته الرأسمالية تمويل عالمي وتقع مركباته في الأراضي الأردنية. ثم توقفت النشاطات المشتركة بسبب انتفاضة الأقصى وعادت للحياة أثناء حكم حزب شارون، وتم جمع تمويل لدراسة الجدوى الاقتصادية والاجتماعية والبيئية للتطوير المتكامل للأخدود وتم اختيار المستشارين لذلك وقاموا بالمطلوب وتبين أن المشروع مجدٍ.
وأخطأ الجانب الأردني قد استمع إلى رأي مستشارين أخفقوا في التأهيل لدراسة الجدوى، وتغيرت نية الطرف الأردني، ثم أخطأ في خطابه بجوهانسبيرغ عام 2002 بتقديمه مشروع اخدود وكأنه فقط مشروع قناة البحرين وهو مشروع تطوير اقتصادي واجتماعي متكامل. وكان ما كان من أحداث الأزمة الاقتصادية العالمية عام 2008 تلاها أحداث الربيع العربي. وانقطع اتصال كاتب هذه السطور بالمشروع وما استحدث حياله، إلى أن نقلت الصحافة أخباراً عن تحلية لمياه البحر عند العقبة وتخصيص ما يكفي لتطوير العقبة وبيع معظمها للجانب المقابل وتبادل المياه باستدراج كميات من طبريا حتى أن الخط الناقل لها، كما سمعت، تم بناؤه من المنشية إلى شمال المملكة، والله أعلم!
إن العزوف عن المشروع الأصيل لربط البحر الميت بخليج العقبة لصالح مشروع بديل هزيل في نظري هو قرار عليل. وإذا كان في مقدور المملكة بناء مشروع تحلية المياه ونقلها لأماكن الاستعمال على نظام ال BOT فالحري بنا استخدام تلك القدرة لبناء جزء من قناة البحرين وفوائدها للأردن جمة. ويمكن اشراك المستفيدين الآخرين منه في تحمل أنصبتهم من كلفته.
وحيث أن العبء المالي سيكون معتبراً فالمؤمل من الحكومة إشراك مجلس الأمة في مداولاتها ليكون المشروع وطنياً من كافة جوانبه. والله من وراء القصد.