زمان...كان الوزير وزيراً بحق، حين يدخل الوزارة يضبط الموظفون ساعاتهم على لحظة دخوله، الساعة السابعة صباحاً، وحين يتوجه للميدان يخرج الوجهاء لاستقباله بكل حفاوة، كان يتصدر المجالس وحين يتحدث يزن كلامه بميزان الذهب، لم يكن موظفاً ينتظر «امتيازات» آخر الشهر، ولا «استاذاً» يلقي دروسه على الناس باعتباره «الافهم»، آنذاك لم تكن الوزارة «مكسباً» ولا «خانة» فارغة تنتظر ان يملأها أي أحد.
زمان ..كان المعلم «رسولا» بدون خاتم نبوة، يتحرك في المدرسة وبين الصفوف كما يتحرك «الجنرال» في ساحة المعركة، مكللاً «بنياشين» الفخر والاعتزاز بمهنته ورسالته، حين يخرج الى الشارع يقف الطلبة لتحيته، وحين يدلف الى غرفة الصف يقفون احتراماً له، لم يكن يعطي الدروس فقط، وانما كان ممثلاً للمجتمع وملهماً للأجيال، ومصلحاً بين الناس، وقتها كانت مهنة التعليم مقدسة وان يحظى بها أحد غاية الامنيات.
زمان ايضاً..، كان الكاتب الصحفي يمثل «الضمير» العام للناس، كان القلم في يده كالبندقية في يد اخيه «العسكرية» مضبوطة تماما في اتجاه الدفاع عن البلد، لم يكن «همه» رضى المسؤولين ولا «تزيين» صورهم، يحمل «هموم» الناس ويرافع عنها، آنذاك كانت «الصحافة» مهنة الحرف الشريف، والسلطة الرابعة بحق، وفي مرات عديدة أغلقت احدى الصحف «أبوابها» بسبب مقال لم يعجب مسؤولاً، واحتجبت «لخبر» انفردت فيه، كان كبار المسؤولين يخوضون «مشاورات» ماراثونية لإقناع مسؤول التحرير «بالتخفيف» من حدّة خبر، وكان الصحفي «يتشبث» بموقفه وينحاز لمهنيته ولا يقبل ابداً ان تنزل عليه الاخبار «بالباراشوت».
زمان..، كان مجتمعنا يتمتع بقدر كبير من العافية ، كان «مقياس» الحظوة والقبول بين الناس «القيمة» والسمعة، كانت كلمة «عيب» كفيلة بالردع الاجتماعي، وكلمة «عونة» مفتاحاً للتكافل الاجتماعي والتضامن، كانت «الشتيمة» او المساس بالشخصية «جريمة»، وفي «ميزان» العشيرة يقف الجميع باحترام «للشيخ» او المختار، العشيرة آنذاك كانت «قوة» للدولة وركن من أركانها، لا يسمح لأحد «المساس» بها، وكان «الناس»، الفلاحون والرعاة، مصدراَ من مصادر لدخل وسنداً للموازنة، وكانت شبكة العلاقات الاجتماعية أهم من شبكة العلاقات السياسية.
زمان..، كان لدينا «هيبتان»: هيبة الدولة ومؤسساتها وموظفيها ، وهيبة المجتمع والمواطنين، لم يكن احد – مهما كان موقعه- يجرؤ على «إهانة» المجتمع او الانتقاص من قيمة المؤسسة، كانت «القوانين» موجودة لكن الأهم منها كانت «التقاليد» والقيم الأردنية الأصيلة، تلك التي رسخها العسكري والمعلم والفلاح، ورفع مداميكها «النماذج» الملهمون من المسؤولين النظيفين، حتى «المعارضة» آنذاك كانت «تتحدث» تحت مظلة «الوطن» وباللغة «الوطنية» الفصيحة، وكانت «السياسة» تحمل جينات «أخلاقية» عابرة للخصومات والاختلافات.
لم تكن لدينا فقط «دولة» قوية نعتز بها ونلتف حولها ونبادلها المحبة والتحية، وانما كان لدينا «وطن» عزيز، فيه نتعاتب ولا نتصارع، نتقاسم الغرم والغنم ولكن دون ان يشعر أحد بالظلم، وحتى وان اخطأ أحد، فإن ايادٍ دافئة تمتد اليه وتطيب خاطره، فيعود الى مقعده على مدرجات «البلد» المزدحمةبالأبناء المخلصين والصادقين مرتاح البال .