2024-11-24 - الأحد
00:00:00

منوعات

لماذا تبدو السماء مظلمة ليلا رغم عدد النجوم الهائل؟

{clean_title}
صوت عمان :  

مع تلاشي ضوء النهار عند الغسق، تنكشف لوحة داكنة مرصعة بالنجوم فوق رؤوسنا. لكن هذا التحول الليلي المألوف من السماء الزرقاء الساطعة إلى السماء السوداء المخملية يثير فضول علماء الفلك والفلاسفة؛ فإذا كان الكون يحتوي على بحر من النجوم الممتدة على عدد لا نهائي من السنوات الضوئية، فلماذا لا تكون سماء الليل مشرقة مثل النهار؟!

الإجابة على هذا السؤال قد يبدو بسيطا لكنه حيّر العلماء. إنها في الواقع مشكلة كونية مشهورة شغلت العلماء منذ قرنين من الزمان، واستغرق الأمر وقتا طويلا للعثور على الإجابة الصحيحة التي تعرف اليوم بمفارقة "أولبر".

مفارقة "أولبر" تحيّر العلماء
إذا سرت في بستان صغير من الأشجار ونظرت بعيدا، فيمكنك رؤية أجزاء من الأفق بين جذوع الأشجار من حولك. أما إذا وقفت وسط غابة كبيرة، فإن الرؤية ستكون بالنسبة لك محجوبة تماما في جميع الاتجاهات بواسطة العدد الهائل من جذوع الأشجار الذي يحيط بك من كل جانب وعلى مسافات متفاوتة.

وبالمثل، إذا كان الكون كبيرا بما فيه الكفاية، فيجب أن يكون خط رؤيتك محجوبا في كل اتجاه بواسطة جدار سميك من النجوم التي تجعل الليل مضيئا مثل النهار.

تعود بنا قصة مفارقة أولبر إلى أوائل القرن التاسع عشر، إلى عالم فلك ألماني يُدعى هاينريش أولبر الذي كان أول من أذاع هذه المفارقة في الوسط العلمي رغم أن علماء سبقوه في تناولها مثل يوهانس كيبلر وإدموند هالي. وكان تساؤل أولبر يدور حول التناقض الظاهري لسماء الليل المليئة بالنجوم اللانهائية والظلام الذي نلاحظه، فإذا كان الكون لا نهاية له ومليئا بعدد لا نهائي من النجوم، فإن كل خط رؤية يجب أن ينتهي في النهاية عند نجم، مما يجعل السماء ليلا مشرقة بشكل موحد.

ومع ذلك، فإن سماء الليل ليست نسيجا مشرقا من النجوم اللانهائية، وتغلب عليها الظلمة الحالّة ولا يتخللها سوى الضوء للنجوم والمجرات البعيدة. ولفهم ذلك، علينا التعمق في مفاهيم عمر الكون وتوسعه.

كيف حلّ العلماء الإشكال؟
اعتقد أولبر أن الكون لانهائي، ولكن تبين فيما بعد أنه ليس كذلك، فهو محدود من حيث عمره الذي يبلغ نحو 13.8 مليار سنة. وبالتالي فإننا لا نرى الأشياء إلا على مسافة بعيدة بقدر المسافة التي تمكّن الضوء من قطعها خلال هذا الوقت، مما يحد من عدد النجوم التي يمكن رؤيتها، وبالتالي كمية ضوء النجوم التي تصل إلينا.

يكمن جزء من حل مفارقة أولبر أيضا في توسع الكون، ففي أوائل القرن العشرين، قام علماء الفلك -بما في ذلك إدوين هابل- بإجراء عمليات رصد رائدة أظهرت أن المجرات الأخرى تبتعد بسرعة عن مجرتنا. ويشير هذا إلى أن فضاء الزمكان نفسه يتوسع. وبسبب هذا الاتساع، تتمدد موجات الضوء القادم من النجوم البعيدة أثناء انتقاله عبر الفضاء، وكلما زادت رحلة الضوء زاد طول موجته، وهي ظاهرة فيزيائية تُعرف باسم "الانزياح الأحمر". ويعني هذا الانزياح الأحمر أن الكثير من ضوء النجوم خارج المجرة يتحول من الطيف المرئي إلى أطوال موجية للأشعة تحت الحمراء لا يمكن إبصارها بالعين البشرية.

وظهرت أدلة أخرى على سبب الظلام الذي يلف الأرض ليلا في إشعاع الخلفية الكونية الميكروي الذي اكتُشف في عام 1964 ويمثل توهج الحرارة المتبقية من المراحل الأولى لولادة الكون من الانفجار الكبير. فبعد التوسع الانفجاري الأولي بَرد الكون مع استمرار تمدده، مما أدى في نهاية المطاف إلى انفصال الضوء عن المادة، وأصبحت الفوتونات قادرة على التدفق بحرية عبر الفضاء مثل إشعاع الخلفية الكونية الميكروي الذي نلاحظه اليوم. وإذا نظرنا إلى الفضاء في جزء الموجات الدقيقة من الطيف، فسنجده في الواقع مضاء في جميع الاتجاهات.

الظلام في الكون ليس فراغا
هناك مشكلة أخرى في تفسير سماء الليل المظلمة، تتضمن التمييز بين الكون المرئي والكون بأكمله، فالكون المرئي لا يمثل سوى المنطقة الكروية الصغيرة من الفضاء التي تمكّن الضوء من الوصول إلينا خلال حياة الكون.

ومن المثير للاهتمام أن الاكتشافات الحديثة في الفيزياء وعلم الفلك أدت إلى تعميق فهم أسباب الظلام في الكون من حولنا أكثر مما كان متوقعا. فقد كشفت عمليات رصد المجرات والمستعرات العظمى عن وجود المادة المظلمة والطاقة المظلمة التي تشكل أكثر من 95٪ من الكون.

ويعرّف العلماء المادة المظلمة بكونها كتلة غير مرئية يتم اكتشافها فقط من خلال الجاذبية التي تربط المجرات معا، أما الطاقة المظلمة فهي طاقة غامضة تسرّع التوسع الكوني، وكلاهما يخفي مصادر الضوء داخل الكون.

وعلى الرغم من أن سواد سماء الليل يبدو فارغا، فإنه في الحقيقة يروي تفاصيل دقيقة عن تاريخ الكون المتدثر بالظلمة من انفجارٍ إلى تبريدٍ وتوسع. وعندما ننظر إلى السماء ليلا، فإننا نلمح مسارات التطور الكوني الممتدة عبر الفراغ في الفضاء السحيق.