مجهود البحث العلمي لمختبرات "بيولاب" بجائحة كورونا.. إنجاز بنكهة الإبداع في عالم المختبرات والأبحاث الطبية

أحمد الضامن 

نقف اليوم أمام حالة استثنائية يمر بها القطاع الصحي الأردني، بسبب ظهور جائحة فايروس كورونا المستجد، والذي ألقى بظلاله على العالم والأردن بالتحديد في شهر آذار لعام 2020.

ومن هنا بدأت تظهر أهمية المختبرات الطبية في مواجهة ومحاربة الجائحة، فكانوا الجنود المجهولين والذين يعملون بالخفاء منذ اليوم الأول، في العمل على تشخيص الفيروس بالسرعة الممكنة والدقة في نسج خيوط العلم والمعرفة، ومن هنا برز دور القطاع الطبي المخبري الأردني في أبهى صورة له، وعندما يجتمع الإبداع والتعاون والخبرة، والحديث عن الرواد في مواجهة الجائحة، لا بد من الحديث عن مختبر "بيولاب" والذي يعتبر من الرواد في حقل التشخيصات الطبية والفحوصات المخبرية.

ولأن الحق يقال؛ يمتلك مختبر "بيولاب" فريقاً بحثياً يشرف عليه أخصائي علم المناعة الدكتور عيسى أبو دية، أثبت على مدار الجائحة أنه قادر على فك الشيفرات الوراثية لفيروس كورونا وتحليل بياناته ونشرها على المنصة العالمية بسرعة وكفاءة منقطعتين النظير، وتميز بأسلوب عمل مختلف طبّق خلاله أعلى المعايير العالمية والمحلية، وتبنى نهجاً مزج بين الروح الوطني والمسؤولية المجتمعية، مع الخبرة العملية والاحترافية.

وكان لا بد الحديث في هذا المقال، عن مجهود البحث العلمي لمختبر "بيولاب" في جائحة كورونا، والذي ينقسم في اتجاهين متكاملين لفهم ومجابهة أي جائحة يمكن أن تلمَّ في البلاد، الأول هو علم الوبائيات الوراثي، والثاني علم المناعة.

علم الوبائيات الوراثي

انطلق مختبر بيولاب ومنذ بداية الجائحة، وتسجيل أول إصابة بفيروس كورونا في الأردن، إلى بدء العمل بإجراء فحوصات متقدمة لفك الشيفرة الوراثية لفايروس كورونا، حيث كان "بيولاب"؛ وبالتعاون مع شركاء في مركز سكريبس للأبحاث في الولايات المتحدة، بادروا بفك شيفرات لمئات الفايروسات الموجودة في الأردن، مما ساعد في الرصد المبكر والفعّال للعديد من السلالات المختلفة التي دخلت إلى الأردن.

وبالتفاصيل وبلغة الأرقام والأبحاث المثبتة فقد كان مختبر "بيولاب" الأول في رصد المتحور البريطاني "ألفا" ومن ثم المتحور الجنوب الافريقي "بيتا" ومن ثم المتحور البرازيلي "جاما"، يليها المتحور الهندي "دلتا"، وأخيراً متحور "أوميكرون".

وساهم المختبر في دفع عجلة فك الشيفرة الوراثية في الأردن وتطويرها، إلى جانب تحفيز وتقديم العون إلى الجهات المحلية الأخرى، وقد قام بيولاب بنشر من الشيفرات الوراثية لفيروسات كورونا إلى المنصة العالمية المعروفة "GISAID" ليطلع عليها ويستفيد منها جميع الباحثين حول العالم.

ولمعرفة المجهود الكبير الذي قام به مختبر بيولاب، لا بد من التوضيح بأن علم الوبائيات الوراثي لا يقتصر على فك الشيفرات الوراثية للفايروسات، وإنما يمتد إلى استخدام الشيفرات للبحث عن الطفرات الموجودة فيها ومقارنة الفايروسات ببعضها ببعض ودراسة علاقات التطور بين هذه الفايروسات، بمعنى معرفة كيفية انحدار هذه الفايروسات، من خلال رسم شجرة العائلة لهم، والأهم معرفة كيف ومتى ومن أي بلدان تسللت إلى الأردن، وهذا المجهود الكبير يحتاج لفريق استثنائي قادر على التحليل بالشكل الصحيح، وهذا ما دأب إليه بيولاب منذ اللحظات الأولى، فكان على سبيل المثال السّباق في معرفة تفاصيل المتحور "ألفا" و "أوميكرون" وتوقيت دخولهما التقريبي إلى المملكة، وعدد المرات التي دخل بها الفايروس بشكل مستقل، وما إن كنّا قد دخلنا في مرحلة العدوى المجتمعية أم لا، حيث قام بيولاب بإعداد كافة تلك الدراسات بأسرع وقت بشكل قياسي وبمجهود كبير من طواقمه.

علم المناعة

أما الجزء الآخر، والذي سطّر بيولاب به أروع الإنجازات على مستوى عالمي، علم المناعة، والذي يعتبر مكمل لعلم الوبائيات الوراثي، والذي يساعد على فهم ردات الفعل المناعية سواء للإصابات التي تحدث أو إلى المطاعيم المختلفة المعمول بها في الأردن، خاصة وأن المملكة لم تعتمد على مطعوم واحد، بل استعانت بالعديد من المطاعيم؛ أهمها مطعوم سينوفارم الصيني، ومطعوم استرازينكا البريطاني، وسبوتنيك الروسي، وفايزر الأمريكي الألماني.

وقد قام مختبر بيولاب منذ اللحظات الأولى بإجراء أبحاث عن مطاعيم مختلفة، فكان من أهمها أبحاث تتعلق بلقاح أسترازينكا، ومعرفة سرعة وكمية الأجسام المضادة التي يحفزها في أجسامنا لحمايتنا من الفايروس.

وبدراسة علمية أقامتها أيادي خبراء أردنيين في مختبرات بيولاب على عينات مخبرية لأردنيين، تم التوصل إلى أن هذه الأجسام المضادة تصل مستواها لأعلى بعد مرور حوالي ثلاثة أشهر تقريباً من الجرعة الأولى، فكانت تلك الدراسة مؤكدة لصحة القرار الذي اتخذته وزارة الصحة وخلية الأزمات، في المباعدة بين الجرعة الأولى والجرعة الثانية، من لقاح استرازينكا.

أما المشروع المناعي الآخر الذي نفذه مختبر "بيولاب" فهو دراسة أقامها بالتعاون مع باحثين مختصين في علم الفيروسات في جامعة أوتوا الكندية، لمعرفة قدرة المطاعيم المختلفة على انتاج الأجسام المضادة التي تستطيع تثبيط الفايروس وبمتحوراته المختلفة، وإجراء مقارنة ما بين جودة المناعة التي يكونها مطعوم سينوفارم وفايزر وسبوتنيك وأسترازينكا وحتى مطعوم موديرنا لدى عدد من مواطنين تلقوا لقاحات مختلفة.

ومن الجدير بالذكر، مختبر بيولاب ولأول مرة في الأردن، تمكن من إدخال فحص متقدم لخلايا المناعة التائية (T-cells)، ودراسة قدرة المطاعيم المختلفة على تحفيز هذه الخلايا، والتي بدورها تعمل على قتل الخلايا المصابة بالفايروس مباشرة، والعمل على تحفيز العديد من الخلايا المناعية الأخرى بما فيها البائية (B-cells) المنتجة للأجسام المضادة لمواجهة الفيروس والقضاء عليه.

إنجازات تلو الإنجازات استطاع مختبر بيولاب من تحقيقها في عالم الأبحاث والدراسات في العديد من المجالات، ولأن الشدّة هي من تثبت الكفاءة والنجاح، فقد كانت جائحة كورونا نقطة محورية للكشف عن تلك الهمم والخامات الطبية، وجبابرة قطاع المختبرات، في توفير معلومات هامة لمواجهة الجائحة بالشكل المطلوب ودفع عجلة التطعيم الوطني إلى الأمام للحد من الوباء.