عوني الداود
بداية فإننا حين نتناول موضوع ارتفاع الاسعار عالميا ، علينا أن نوازن بين أمرين : ( عدم التهويل ) و( الجدية وعدم الاستهانة ) ..ففي الامر الاول يساعدنا على ذلك ( أردنيا ) أننا كنّا من أوائل الدول في العالم التي (نبّهت / و/ تنبّهت ) منذ بداية جائحة كورونا الى خطورة تداعياتها على الامن الغذائي وسلاسل التوريد وبالتالي ارتفاع الاسعار ، وجميعنا نذكر تصريحات وتوجيهات جلالة الملك - بل وتحذيره من أنّ دولا ستدفع ثمنا كبيرا بسبب المجاعة يفوق خطورة وباء كورونا وتحديدا القارة الافريقية - وقد حصل - .. كذلك زيارات الملك الميدانية لمستوعبات صوامع القمح وتوجيهاته للحكومة بالتحوط الغذائي والنفطي .. وتنفيذا لتلك التوجيهات كان التحرك الحكومي وعلى أكثر من مرحلة نعيد منها للتذكير قرارات زيادة المخزون الاستراتيجي للمؤسستين الاستهلاكيتين المدنية والعسكرية ، اضافة لمشاريع تعزيز الامن الغذائي ، ودعم الزراعة .
أيضا يدخل في باب ( عدم التهويل ) أننا في الاردن وبحمد الله تجاوزنا مراحل صعبة منذ جائحة كورونا واستطعنا بالتشاركية الحقيقية بين القطاعين العام والخاص من الحفاظ - ولا زلنا - على مخزون آمن من المواد الاساسية ، وبذل القطاع الخاص ( التجاري والصناعي )- ولا يزال - جهدا وطنيا كبيرا بتأمين كل الاحتياجات ،فلم تخل أرفف الاسواق ولا المولات ولا حتى البقالات مما يحتاجه المواطنون ، كما لم ترتفع الاسعاراستغلالا من أحد بل على العكس شهدت المراحل الاولى من جائحة كورونا تضحيات تجار بالبيع بسعر الكلفة وأحيانا بخسارة في سبيل الوقوف الى جانب الوطن والمواطنين في مواجهة جائحة كورونا .
وضع الاسعار في الاردن ( منضبط ) والتخزين ( آمن ) والامور ( تحت السيطرة ) .... ولكن : بالانتقال الى محور( عدم الاستهانة ) فانه لا بد من الاستمرار بأخذ كافة الاحتياطيات والبقاء في حالة مراقبة واستنفار لما يجري في العالم وانعكاسات كل ذلك على الاردن .. فالعالم اليوم يشهد موجة من ارتفاع اسعار المواد الغذائية هو الاعلى منذ عشر سنوات ، وفي اسعار الشحن التي تضاعفت لنحو ( 4-5) اضعاف .. وفي اسعار النفط المرشحة لمزيد من الارتفاع قد يصل الى ( 90 دولار / للبرميل ) وربما الى ( 100 دولار / للبرميل ) بحسب دراسات عالمية .. كما أن مؤشر منظمة الاغذية والزراعة لاسعار الغذاء ( سبتمبر / ايلول 2021 ) يشير الى : ( ارتفاع اسعار الغذاء بنسبة ( 32.8%) ، وارتفاع اسعارالحبوب ( 27.3%)، والقمح ( 41%) ، والزيوت النباتية ( 60%)، والالبان ( 15.2%) ، والسكر ( 53%) .
من هنا لا بد من ( الاستنفار ) وأخذ الامور على محمل الجد ، خصوصا وان معظم الدراسات والتوقعات العالمية تشير الى استمرار موجة الارتفاعات في ( الغذاء والطاقة ) تحديدا حتى منتصف العام المقبل 2022 .
ومن هنا نشيد بالاجتماع المسؤول الذي عقدته الحكومة أمس الاول ( وزراء الصناعة والتجارة ، والزراعة ، والمالية ،وممثلين عن وزارات ومؤسسات حكومية ) ومع القطاع الخاص ( التجاري والغذائي والصناعي ) والخروج بقرارات حصيفة من أجل المحافظة على المخزون الاستراتيجي الغذائي واستقرار الاسعار .. وفي مقدمة تلك القرارات :
- تسهيل وتسريع اجراءات فحص المواد الغذائية المستوردة.
- استمرار العمل بقرار اعتماد سقوف كلف الشحن البحري لغايات احتساب الضرائب والرسوم الجمركية .
- قرار البنك المركزي برفع سقف التمويل المقدم من البنوك المحلية للقطاع التجاري من ( 350 الف دينار ) الى ( 600 الف دينار ) لتجّار الجملة ، و من ( 175 الف دينار ) الى ( 200 الف دينار ) لتجار التجزئة وحتى شهر حزيران 2022.
القرارات عديدة ومهمة وأود أن اضيف مقترحات « أولية « عليها :
- ضرورة مكاشفة المواطنين واطلاعهم أولا بأول على تطورات الاسعار العالمية والاجراءات المتخذة للحد من تداعياتها .
- رفع الوعي الاستهلاكي للمواطنين ودعوتهم لحسن التخزين ، وضبط الانفاق ، أسوة بدعوات دول كبرى متقدمة تملك من القدرات والامكانيات ما لا نملكه .
- دعوة التجار للتخزين ومساعدتهم ودعمهم من أجل ذلك .
- تذليل المعوقات أمام التجار والقطاع الخاص من أجل مزيد من الاستيراد ، وتنوع المصادر ، والسلع ، وتقديم مزيد من التمويل اللازم للاستيراد .
- دعم المنتج الوطني وتقديم حوافز وعفاءات للمزارعين والصناعات الغذائية .
- اطلاق منصة للافكار الريادية الشبابية الابداعية الخلاّقة في مجالات الامن الغذائي .
الدستور