طفل يبيع ماء في وسط البلد قبضت عليه فرق وزارة التنمية الاجتماعية وتم تحويله الى المحافظ بتهمة التسول. وتكرر وزارة التنمية الاجتماعية بين فترة واخرى نشر اخبار عن متسولين اثرياء وميسورين، واظرف الاخبار نشر قبل ايام عن موظف حكومي يتسول. وتندر مواطنون على الفيسبوك بالسؤال ايهما افضل حالا موظف مرتشي ام متسول؟.
في قصة الطفل وسط البلد.. فالوزارة اجترحت كرامة طفلا اراه كلما انزل الى وسط البلد، وفي القرب من عمارة البنك العربي يحمل سطلا مليئا بعلب
مياه باردة ومغمورة بالثلج. وفي طيبيعة الحال اشتد نشاط عمله في بيع المياه في غمرة موجة الحر الشديد والمتتالي التي تجتاح المملكة والاقليم.
يعني اقرب من التعجيز والمستحيل، ماذا تريد وزارة التنمية الاجتماعية؟ لم يشكُ احد من الطفل، ولم يشكُ احد بانه يستول ويشحد من الناس، ويغير من صورته وهيئته، ويتسول كمعاق وضعيف البدن ومريض، وهي حيل يستعملها متسولون.
طفل يجهد من الصباح الباكر، وفي شدة اوقات الحر يجول ويتحرك ليبيع المارة ماءا باردا. فما الضير، وما الذي يغضب وزارة التنمية الاجتماعية؟ ليس من طفل اردني في الارياف والبوادي والمدن من الطبقة المسحوقة والميسورة ايضا الا عمل واشتغل في طفولته.
في الطفولة اشتغلنا في العطلة الصيفية في بيع العنب والبطيخ والشمام، وبيع عباد الشمس والكولا في ايام مباريات كرة القدم. فهل نحن متسولون؟ ومن يعمل في طفولته يقدر قيم العمل واخلاقه، ولا يمكن ان يكن يوما متسولا مهما بلغت به متاهات وتحديات ومصاعب الدنيا الغرورة.
خطورة اخبار التسول، ان لها وجهين بحيث تصور ان كل محتاج ومسكين يمد يديه الى المساعدة وطلب الغوث بانه ثري وغني ويخدع الناس بالملابس التي يرتديها، وخذوا كثيرا من الخيال الشعبي الاضافي والمضاعف اللذي يندلق على كل خبر وقصة تسول.
تذكرون فيلم المتسول لعادل امام، والحبكة شديدة الطرافة لمتسول اعمي، وعصابة سرقة الاطفال وتحويلهم الى مستولين، وتشويه اجسادهم وتحويلهم متسولين مرقمين، كيف تجني العصابة يوميا ثروة كبيرة على حساب ضحاياها.
ومن المفروض ان تتنبه وزارة التنمية الاجتماعية لاخبار التسول. والتمييز بحكمة وعناية بين من تضطرهم ظروفهم الى التسول وخصوصا في مجتمع يعاني من بطالة عالية وفقر مدقع، وتوابع لكورونا وخيمة اجتماعيا ومعيشيا.
اردن كورونا لا اظن انه بحاجة لنشر اخبار عن التسول.. اعرف ارباب اسر شحدوا ثمن باكيت الدخان وثمن ربطة الخبز. وما لا تدركه الوزارة في فقه الفقر والعمل الاجتماعي ان الخوف ليس من التسول من الظاهر والعلني، انما ما يخفي المتجمع من عوارض وبواطن لانهيار في منظومة معيشية واجتماعية مستقرة ووازنة.
خبر طفل وسط البلد «بائع الماء» كاف كدليل وبرهان وشاهد حي. ان في زمن كورونا متسعا لكل ما هو غريب ومستهجن، وقصص كثيرة ليست من وحي الخيال انما تراجيديا الواقع.