لا اقول في غرفة الانعاش لأن هذا يعني انه تحت المعالجة الحثيثة بل على باب الطوارىء محطما ينتظر يائسا من يسعفه. فبينما يتراجع الوباء وحالة الاستنفار العام للقطاع الصحي في مواجهته، تعود المشاكل المزمنة والمؤلمة لهذا القطاع الى صدارة المشهد.
اعتصم أطباء أمس احتجاجا على ما يصفونه المؤامرة على الصندوق التعاوني للأطباء الذي يخدم الغالبية الساحقة من الأطباء ويقلل سطوة الأقلية النافذة وشركات التأمين. على جبهة أخرى نكتشف أن مئات الأطباء أصبحو من العاملين في قطاع «السخرة» أي بالمجان استغلالا لحاجتهم الى برامج الاقامة. أما أفضل الإخصّائيين في القطاع الحكومي شبابا وكبارا فيهاجرون الى الخليج وتبقى مستشفيات كبرى خالية كليا من بعض التخصصات ولا يمكن لوم الأطباء ما دامت الوزارة تعجز عن اي اصلاح وفي المقدمة نظاما للحوافز حقيقيا ومجزيا.
ليس لدي اي انطباع ان الوزارة تملك رؤية أو برنامجا على هذا الصعيد ناهيك عن المشاكل المزمنة الأخرى للقطاع الصحي ويمكن التعذر بقضية الجائحة التي شغلت الوزراء الذين تعاقبوا في الاونة الأخيرة لكن حتى الوزير الحالي ومع تراجع كورونا لا يبدو لي في حالة تهيؤ لمواجهة المشاكل المستعصية ولا اعتقد أنه تم إختياره اصلا للإضطلاع بهذه المهمة.
سوف أبدأ بالأطباء الذين يشتغلون كما قلت « سخرة « في برامج الإقامة. ففي مرحلة معينة فتحت وزارة الصحة الباب لإلتحاق أطباء في برامج الاختصاص من غير منتسبي وزارة الصحة أو الجيش بشرط عدم تلقي أي أجر وطبعا لا يملك الطبيب خيارا سوى الاذعان مع أنه يشتغل بدوام كامل وتحت ضغط هائل في العمل مثل اي طبيب موظف في المؤسسة أكانت مستشفيات الخدمات او الصحة او الجامعات لا بل ان الأخيرة تتقاضى رسوما ضخمة منهم كما لو انهم طلبة في الجامعة. لقد اتصلت طبيبة قريبة لي وهي تبكي وتقول انها بحالة مزرية والدها لا يستطيع تغطية حتى مصاريف تنقلها ( تكسيات بخمسة دناينر يوميا) ناهيك عن كل النفقات الأخرى. معقول !! السخاء برواتب فلكية لفئة من البشر لا تتعب بشيء بينما نضن على هؤلاء الكادحين في العلم والعمل بمكافأة تستر عليهم وهم من يجب ان يظهروا بمنظر محترم ولائق بمركزهم كأطباء، مكافأة تغطي على الأقل الطعام واللباس والمواصلات ؟!
وأذهب الى موضوع الصندوق التعاوني للأطباء الذي بدأ العمل من اجله منذ التسعينات وأمكن بعد جهاد طويل اقرار نظامه من مجلس الوزراء وتوشيحه بالارادة الملكية السامية نهاية العام 2019 وانتخاب هيئة ادارية للصندوق. لكن تم توجيه طعن بالمشروع للمحكمة الادارية وردّت المحكمة الطعن في حزيران 2020 فأصبح مشروع الصندوق واجب التطبيق. ومع ذلك لم يطبق.
نظام الصندوق لا يرضي كبار المتنفذين الأثرياء في القطاع الطبي فهو يعطي المريض حق اختيار طبيبه من جهة وينهي الإحتكار ويعوّم التعاقدات الطبية لمصلحة عموم الأطباء والمرضى كما يمنع عقود الاذعان بين شركات التأمين والأطباء. وحسب لجنة الصندوق المنتخبة فإن التيار الفائز بمجلس النقابة عام 2017 عاد للتعطيل ومحاول تغيير لجنة الصندوق ثم بعد حل مجلس النقابة وتعيين لجنة من الوزارة بموجب قانون الدفاع تم فصل اعضاء لجنة الصندوق وتعيين غيرهم فنشأ نزاع اداري وشكوك متجددة حول النوايا المضمرة تجاه الصندوق الذي يرى القائمون عليه انه مشروع اصلاحي عظيم ولأنه كذلك فلن ير النور في أي يوم ؟!