في عصر الانفجار المعرفي والتكنولوجيا المتقدمة والابتكار الرقمي، أصبح ازدحام مواقع التواصل الاجتماعي جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية. في هذا السياق، تبرز أهمية المواطنة الرقمية كجزءٍ لا يتجزأ من مفهوم المواطنة الصالحة.
وقد ظهر حديثًا مفهوم المواطنة الرقمية حيث أنه لم يكن متداولًا في مجتمعاتنا سابقاً، ولذلك تسعى جميع دول العالم، بما فيها الأردن، جاهدةً لجعل مواطنيها مواطنين رقميين.
حيث أن المواطنة الصالحة هي علاقة الفرد بالدولة كما يحددها الدستور، فلك حقوق وعليك واجبات، وتتضمن المواطنة مجموعة من القيم والمبادئ التي تحث الفرد على التعاون مع أفراد مجتمعه للرقي والنهوض به، فالمواطنة الرقمية تحمل نفس قيم ومبادئ المواطنة الصالحة؛ فلك حقوق وعليك واجبات. فأنت كمواطن صالح، تكون مسؤولاً عن أقوالك وأفعالك في العالم الحقيقي وكذلك في العالم الرقمي، تكون مسؤولًا عن أقوالك وأفعالك بالإضافة إلى منشوراتك وإعجاباتك ومُشاركاتك.
فعلى الرغم من أن العالم الحقيقي لا يختلف كثيراً عن العالم الرقمي من حيث القيم والمبادئ، إلّا أن العقوبات القانونية في العالم الرقمي قد تكون أشد وأقصى. وهناك محاور رئيسة للمواطنة الرقمية يجب الالتزام بها لتصبح مواطنًا رقميًا مسؤولًا. فيُعد الوصول الرقمي عنصرًا أساسيًّا لضمان حق الجميع في الوصول المتكافئ إلى التكنولوجيا والمعلومات. كما تتطلب التجارة الرقمية ممارسة الأعمال التجارية عبر الإنترنت بأمان وشفافية، بينما يعزز محو الأمية الرقمية قدرات الأفراد على استخدام التكنولوجيا بفعالية. بحيث يكون لدى الأفراد ثقافة ووعي بكيفية التعامل بشكل إيجابي مع وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام والأجهزة الرقمية، وكيفية استثمار العالم الرقمي بطريقة إيجابية، وأن يشاركوا بفاعلية وإيجابية في التطوير والبناء والتفاعل الرقمي. أي أن لا يكونوا مجرد متلقين أو مستهلكين للتكنولوجيا، وأن لا يكونوا أهدافًا سهلة لكل من يروّج في عالم التواصل الاجتماعي. وأن تكون لديهم القدرة على نقد الجوانب السلبية وفلترة تلك المحتويات التي تقدم لهم بكميات هائلة عبر وسائل الإعلام بشكل عام.
يتطلب أيضاً الإتيكيت الرقمي (اللياقة الرقمية) اتباع آداب السلوك في العالم الرقمي، واحترام خصوصية الغير وعدم انتهاكها حتى وإن كان ذلك متاحًا. ويتضمن الإتيكيت الرقمي أيضًا الاستشعار بقيمة الوقت وعدم الهدر به، وتقدير الذات وعدم تعريضها للخطر. في حين يركز الأمان الرقمي على حماية المعلومات الشخصية من التهديدات الرقمية، كما أنه من المهم معرفة حقوق وواجبات المواطن الرقمي في الفضاء الرقمي. بالإضافة إلى الحفاظ على الصحة الرقمية النفسية والجسدية عند استخدام التكنولوجيا، والالتزام بالقوانين والأنظمة الرقمية يعزز القانون الرقمي، كما يسهم التواصل الرقمي في التفاعل بفعالية واحترام مع الآخرين عبر الإنترنت.
ولتحقيق المواطنة الرقمية الكاملة، يتعيّن على الأفراد تبنّي ممارسات آمنة ومسؤولة في استخدام التكنولوجيا.
من أهم هذه الممارسات الحفاظ على الخصوصية الشخصية وتأمين الحسابات الرقمية بكلمات مرور قوية وتفعيل المصادقة الثنائية.
بالإضافة إلى ذلك، يجب على المواطنين الرقميين أن يكونوا على دراية بمخاطر الإنترنت مثل التصيد الاحتيالي والبرامج الضارة، وأن يتبعوا إجراءات الوقاية للحماية من هذه التهديدات.
يلعب التعاون الدولي أيضاً دوراً هاماً في تعزيز المواطنة الرقمية، حيث تعمل الدول معًا لتطوير سياسات وقوانين تضمن بيئة رقمية آمنة ومزدهرة للجميع. لذا، تعتبر المواطنة الرقمية مسؤولية مشتركة بين الفرد والمجتمع والدولة، تتطلب جهوداً مستمرة من الجميع لتحقيق بيئة رقمية آمنة ومزدهرة.
ختاماً، فإنّ المواطنة الرقمية ليست مجرد امتلاك حساب على Facebook أو Instagram أو إدارة مجموعة على WhatsApp، بل هي القيم والسلوكيات والأخلاقيات والمبادئ التي تتبناها في العالم الرقمي. وأنّ أي سلوك مرفوض في العالم الحقيقي هو بالقطع مرفوض في العالم الرقمي.