2024-11-27 - الأربعاء
00:00:00

آراء و مقالات

لا تحكو مش مشكلة

{clean_title}
ابراهيم عبدالمجيد القيسي
صوت عمان :  


دعونا من الخطب العصماء، ومن الانفعالات الفائضة عن كل الحاجات، ودعونا من الفزعات العاطفية والثورات العرمرمية، وقولوا أولا (رحم الله شهداء الفاجعة في مستشفى السلط الحكومي).
ثم أجيبوني عن السؤال:

ماذا كان سيحدث لو لم يذهب الملك إلى مستشفى السلط فور سماعه النبأ السيئ؟!.

ربما يكون السؤال بحد ذاته فرصة (للسحيجة) وللشعراء، ليمطرونا بمزيد من اللسانيات البائدة، أو سيتسابق سياسيون عاطلون عن العمل إلى تلك الشاشات، يعرضون بضاعتهم التي كسدت و (بارت) الف مرة قبل هذا.. أما أنا فأقول: ذهب جلالة الملك هناك ليقول لكم جميعا (لا تحكو مش مشكلة).

أنتم طال ما قلتموها، حتى إن أحدهم كان يخاطب الملك الغاضب بالرواية ذاتها، مما جعل الملك أن يخاطبه بصوت وطريقة لا أعتقد أن جلالته تحدث بها من قبل.

كيف يعني مش مشكلة؟..لا تحكي مش مشكلة؟. (طبعا مش مشكلة هي ثقافة بحد ذاتها، دأبوا قولها لكل صاحب قرار).

المشكلة لها جذور كثيرة، وكلنا نعرفها لكننا نشيح بنظرنا عنها، ولا نجرؤ على متابعة الحديث عنها، إلا إن كنا نريد أن نبتز الدولة، فنزايد على كل شيء بالتغني بالكفاءات والمواقف و»فلتات الزمان»، بينما نعلم علم اليقين بأننا نكذب، وأن فلتة زمانه الذي ندافع عنه في مثل هذه المواقف، هو لا شيء مقارنة بالكفاءات والعقول الأردنية من نفس الاختصاص، الذين لا يعرفون مسؤولا، ولا ظهر يسندهم يتبوأوا مكانهم الطبيعي في العمل والإدارة.. وما زال بعضنا وفي مثل هذه الظروف السيئة، يجد مساحة ليمارس الدور الشيطاني نفسه، ويسعى لمزيد من التدمير والفساد والخراب لبيته وبيت الأردنيين جميعا.

الغضب الكبير له ألف مبرر، أما ابتعاد الحكمة من المشهد لدرجة فقدانها، فهذه أيضا جريمة ومغالطة، تبلغ حجم قولكم (مش مشكلة)، وحين نؤكد أن من حق الجميع معارضين للحكومات أو موالين، من حقهم الغضب وأن يقولوا ما يجول في خواطرهم، بل أيضا من حق المعارضين أن يستغلوا هذه الأخطاء ويقوموا بتوظيفها محليا وخارجيا للنيل من معارضيهم الرسميين، لكن من منا يسأل عن الحكمة في مثل هذه الظروف؟ ابحثوا عنهم فهم الرجال الحقيقيون الذين يحبون بلدهم ويخافون على مستقبله، وهم من يكترث بالناس وحياتهم ومصالحهم وحقوقهم.

لست مع استقالة الحكومة، ولا أحسدها على الموقف الصعب، لأنني أدرك تماما أن ظروفنا سيئة للغاية، وأن كل مراوحاتنا، وهروبنا من مواجهة مشاكلنا، وتغاضينا عن الخلل الثقافي والتشريعي والسياسي والاعلامي والاجتماعي، لم يعد ممكنا، وما فاجعة السلط إلا نموذجا، ومثالا عن نوع الاختبارات التي سنتعرض لها إن نحن دأبنا على التغاضي.

جلالة الملك مسؤول مبتلى بإدارات غير مؤهلة، تستغل المواقف لتزيد الوضع سوءا، لأن منطق التكسب من الوظيفة العامة أصبح هو الأكثر رسوخا، وهو أخطر أنواع الفساد، فبسببه يتم إقصاء الكفاءات وأصحاب الحقوق، فنفقد الثقة، ولا حياة أو علاقة محترمة وتستمر في حال فقدان الثقة بين أطرافها، حتى لو كانوا عائلة تعيش تحت سقف واحد، فكيف سنستمر ونتعايش مع فقدان الثقة بين مجتمع وبين مؤسساته وإداراتها؟ وهل التغاضي عن مثل هذه الفواجع يكرس ثقة أم يجعلها تتفاقم حد الكفر بكل القيم والوطنيات؟!.

حري برئيس الحكومة أن يستنهض كل ما يلزم لشن ثورة بيضاء على الإدارة، ويحيد الأجندة التي تسيطر على ديوان الخدمة منذ سنوات، لا سيما في القطاع الصحي، فالبلد والناس تحت طائلة جائحة شرسة، والقطاع الصحي ورغم كل جهوده يتداعى، وقد نتمكن من الكذب في مجالات أخرى إلا الصحة والمجالات المهنية الشبيهة، فهذه لا تنفع معها الأشعار ولا الخطب ولا الأغاني الهابطة، فالطبيب طبيبا، ولا يمكن لسائق أن يتولى مهمة طبيب، وكذلك عن الممرض والصيدلاني والفني، كل هؤلاء مهنيون مختصون، ولا أحد يمكنه القيام بعملهم حتى لو وافقنا أو صمتنا.

ارحموا الأردن من المزايدات، واستنطقوا الحكمة وافهموا أن (البلاد لا يحرثها إلا عجولها)، فلا تنتظروا أن يتطوع أحد لمساعدتنا بلا ثمن، وإن فعل، فهو لن يكون أكثر انتماء وولاء للأردن منا، فالأردن بيتنا، احموه ولا تخربوه. وإياكم أن تتغاضوا وتقولوا «مش مشكلة».