في إطارِ حديثه عن الوجود العربي المسيحي في خطابة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة السابعة والسبعين يوم أمس الثلاثاء 20/9/2022 إستهلَ صاحبُ الجلالةِ الهاشمية الإشارة إلى المسؤولية الملقاة على عاتقه كقائدٍ مسلمٍ في الدفاع عن المكّون العربي المسيحي الذي يُعتبر جزء لا يتجزأ من هذه المنطقة ومن حاضرها ومن ماضيها كما ومن مستقبلها أيضاً.
فالمسيحيون في المشرق العربي هم عربٌ قبل كل شيء حضارة وثقافة ولغة، وقد لعبوا الدور الكبير الذي لا يقدِر ولن يقدرَ أياً كان أن يتنكر له أو أن يتجاهل الدور التاريخي الذي قدموه في سبيل نهضة البلاد وتقدمها في مختلف المجالات، وشكلوا حجر الأساس لما آلت إليه المنطقة العربية من تقدم وإزدهار، وأنَّ أيّ مساس بمستقبل وجودهم هو بمثابة تغيير حقيقي للواقع وللتاريخ وتشويه للصورة المشرقة في منطقتنا العربية وتمزيق للنسيج الإجتماعي الذي شكَّل نموذجاً عالميًا في حالة الوئام الديني والعيش الواحد المشترك في المساهمة في بناء دولة القانون والمؤسسات والعدالة الإجتماعية.
فبكل جرأة وشجاعة يقف صاحب الجلالة الهاشمية ليخاطب العالم من خلال منبر الأمم المتحدة ويتحدث كقائدٍ عربيٍ هاشميٍ مسلمٍ من منطلق المسؤولية الكبيرة تجاه الحفاظ على الوجود العربي المسيحي في المنطقة ولا سيما في الأراضي المقدسة، التي ما زالت تشهد استمرار النزيف المستمر من الهجرة إلى بلاد الإغتراب وانعكاس ذلك على هوية المكان والزمان. فالوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية ليست معنية فقط بالحفاظ على الأماكن المقدسة وعلى هويتها العربية ووضعها التاريخي والقانوني القائم، بل أيضاً في الحفاظ على أصحاب تلك المقدسات وعلى وجودهم التاريخي الأصيل في المنطقة وعلى دورهم الحقيقي في بناء الدولة العربية الحديثة المبنية على العدالة وسيادة القانون. فبالإضافة للتطرق إلى حقوق الشعب العربي الفلسطيني في تقرير المصير هناك إشارة واضحة إلى واقع القدس المؤلم والصعب وإلى الظروف القاهرة التي تمّر بها المدينة المقدسة وسكانها من مسلمين ومسيحيين، تلك المدينة التي وجب أن تكون مصدراً للسلام والوحدة لما تمثله وتعنيه لعشرات الملايين من البشر حول العالم من أتباع الديانات التوحيدية.
فصاحب الجلالة إذ يوقظ ضمير العالم إلى أهمية الحفاظ على الوضع التاريخي والقانوني القائم في القدس ويذكر بأهمية التراث الثمين الذي يجسّده العرب المسيحيون في المشرق العربي ولا سيما في القدس الشريف، فإنه ومن منطلق واجبه كقائد عربي مسلم فهو لا يأل جهداً في الدفاع عن حقوقهم والحفاظ على هويتهم التاريخية وتراثهم الثمين، فالمسيحية التي لعبت دوراً ماضياً وحاضرا ستبقى مكوناً مهما من مستقبل منطقنا أيضاً.