" ديري بالك يضيع عمرك زي ما ضيعت عمري يا بنتي يا هدى" بهذه الكلمات اختتمت امرأة ستينية حديثها معي في هذا الصباح، كم هي كبيرة هذه الكلمات كلفتها نطقها ثانية لكنها كلفتها العمر...
فنجان قهوة امرأة مجعدة الوجه كل خط في وجهها يروي قصة لم تكن ظاهرة عليها علامات الكبر اكثر من ظهور الهم والحزن في ملامحها...
بدأت حديثها بالاعتذار عن مجيئها بشكل مفاجأة دون اتصال مسبق ثم اجهشت بالبكاء مبررة بذلك سبب زيارتها انها قدمت الى منزل جدتي لان اليوم هو ذكرى وفاتها الاول...
لم اعد اعرف هي من قدمت لمواساتي ام انا من علي مواساتها، جلست بجانبها امسكت بيدها طبعت قبلة على جبينها، كانت تنظر نحوي وكأنها فاقدة الأمان أو أنها بحاجة إلى من يمسك يدها منذ زمن..
سألتني عن اسمي " شو اسمك يا خالتي"
انا :- هدى
هي :- بدأت بمسح ما سقط منها من دموع وبصوت مرتجف " شكلك حنونة"
ما كان مني سوى رسم ابتسامة خفيفة على شفتاي واصغيت لكلامها بكل حواسي حتى إنني كنت أسمعها بقلبي وهي تسرد لي ستون عاماً من حياتها...
" يا خالتي انا خربت حياتي في ايدي كنت صغيرة بعمرك خلصت توجيهي بمعدل يدخلني طب وتقدملي عريس بكون ابن عمي وابن خالتي خيروني بينه وبين دراستي اخترت الزواج، ما كنت اتخيل اني رح اوصل لهون توقعت يعطيني الامان كونه اهلي منفصلين بس...
كانت تصمت قليلاً وهي تخنقها الكلمات أو كانت تتزاحم كلماتها لتنحشر في جوفها وتسقط منها على شكل دموع، لا يهم المهم أن اسمعها...
" بس طلع يشرب الخمر اكثر من شربه الماء حتى اشتكيت لأهله وأهلي بتعرفي شو حكولي..؟"
انا :- هززت راسي بتعجب دون نطق حرف واحد حتى لا اقاطع حديثها..
" حكولي بدك تفضحينا ويحكو طالق مثل أمها، كملت حياتي معه وانا كل دقيقة اتمنى الموت انجبت طفلي الاول فكرته رح يتغير للأحسن بس ما في فايدة بعد ما ولدت منه ثلاثة اطفال تطورت معه الأمور إلى ضربي، بطلت اتحمله رجعت اشتكيت لأهلنا حكولي اصبري عشان الولاد، بيوم صار مشكلة بينه وبين اقرب صاحب اله وصاحبه قتله عشان المصاري"...
"صرت لولادي الأم والأب ما حدا سندني غير الله، اشتغلت عشان اعيشهم بالبيوت، كنت انام جوعانة المهم يناموا شبعانين، كنت متأملة فيهم خير بس يكبروا يعوضوني عن كل تعبي بس"...
عادت للبكاء كنت مع كل دمعة تنزل على خديها يبكي قلبي تزداد نبضاته بشكل حزين حتى هو متوتر..
" بس كبروا خذلوني زي ابوهم بعد ما درستهم جامعات واعطيتهم كل يلي نفسهم فيه، ابني الكبير اتزوج وحدة منعته يزورني، والثاني دخل السجن بجريمة قتل ، والصغير طعنته كانت الأقوى بده يدخلني دار عجزة"..
" قعدت مرة عالرصيف أبكي كان رصيف مركز صحي وستك كان الها موعد وشافتني قعدت جنبي نفس قعدتك هاي وبلشت تواسيني، من يومها فرحت صار عندي صاحبة ؛معقول صار عندي اخت في الدنيا معقول انا صار في يهتم فيني بالعالم؟"
" بس ماتت ستك خلص انتهى كل اشي حتى انا انتهيت انا هلا لحم بلا روح، ديري بالك يضيع عمرك زي ما ضيعت عمري يا بنتي يا هدى"
سرحت في كلامها ملامحها دموعها تفاصيل قصة سردتها لي خمس دقائق وهي تخنقها ستون عام ستون الف خيبة ستون الف كلمة ستون الف خذلان ومليون ندم...